أؤمن إيماناً كاملاً أن بوسع الإنسان أن يجد الأمل حتى في أصعب لحظات الحياة وأكثرها إيلاماً،



أنا لا آمل شيئاً، ولا أخشى شيئاً، فأنا إنسان حر." هكذا كُتب على شاهد قبر نيكوس كازانتزاكيس.


ويرى نيتشه أيضاً أن "الأمل في الواقع هو أسوأ أنواع الشرور، لأنه يطيل عذاب الأنسان."


هاتين العبارتين تلخصا قدراً لا بأس به من فكرة الحياة عند الكثيرين، فالأمل يعني أن تحيا في فرار دائم من الخطر والخوف محاولاً الفكاك من الحصار أو التخفيف من وطأة القيد على روحك. وكلما تجدد الأمل طال ذلك النفق التي تلهث فيه روحك حالماً بنور في آخره. وقد لا يأتي أخر النفق، وربما كان أخر النفق مسدوداً فلا ترى النور ولا تحقق الأمل، هذا النفق – في عين كازانتزاكيس – هو الحياة ذاتها، مصير الإنسان الذي بين ظُلمتين، ظُلمة الرحم وظُلمة القبر.


"الأمل في الواقع هو أسوأ أنواع الشرور، لأنه يطيل عذاب الأنسان." نيتشه

فأي أمل بائس زائف ذلك الذي أدى بكانتزاكس لأن يرى في فكرة الأمل نفياً للحرية ونقيضاً لها؟ وهل حقاً في الأمل عبودية؟ ولو كان الأمل عبودية، فلماذا نتمسك بآمالنا؟ وأي أمل ذلك الذي يطيل عذاب الإنسان؟ وهل الحل هو اليأس؟


الواقع أن "الأمل" ربما يكون هو الحرية ذاتها، هو وقود الحياة الأبدي. تخيل معي، في أبسط وأعم الأمثلة، أن لا أمل في "الجنة"، فما جدوى كل الأعمال الطيبة في الحياة؟ وما جدوى الحياة ذاتها؟ ولماذا إذن يصبر كل البائسين على معاناتهم؟ ولماذا لا ينتحر المرضى طلباً للراحة؟


فما هو الأمل إذن؟

قبل أن أقدم تعريفاً نفسياً للأمل، اخترت أولاً أن أتبنى وصف الكاتبة «طاهرة مافي» التي ترى أن "الأمل يشبه قطرة من العسل في فمك، أو هو حقل من زهور التوليب يزهر في فصل الربيع. هو مطر تساقط لتوه من السماء، هو وعد هامس في أذنك، هو سماء صافية، وهو الشيء الوحيد في العالم الذي يبقيني واقفة على قدمي". الأمل إذن هو الإيمان بالغد، بغض النظر عن صعوبة الحاضر، وآلام الماضي.

"الأمل هو الإيمان بأن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر، وإيمانك بقدرتك على جعله كذلك." شين لوبيز

ويُعرِّف الدكتور شين لوبيز، الخبير العالمي الرائد في علم النفس، الأمل بأنه "الإيمان بأن المستقبل سيكون أفضل من الحاضر، وإيمانك بقدرتك على جعله كذلك". فإذا كنت تميل من داخلك إلى توقع الأفضل في المستقبل، فلسوف تعمل على تحقيق ذلك، مهما كانت معاناة حاضرك، لإيمانك بأن المستقبل شيء يمكنك التأثير عليه؛ وهكذا، وعلى عكس ما رأى نيتشه، ربما يكون الأمل أحد أهم نقاط قوتك في الحياة.


لماذا ينبغي أن نتبنى منطق الأمل؟

الأسباب بسيطة ومباشرة، فهناك مباهج في الحياة ولكن هناك أحزان أيضاً. أحياناً تكون الأحزان يومية – أحزان تلازم يومك لكن يمكنك النجاة منها. إلا أن هناك أحزان أخرى تؤثر علينا بشكل أعمق كثيراً، تترك فينا أثراً لا يُمحى، لدرجة أن فطرتنا تخبرنا وقتها أن الحياة لن تعود أبداً كما هي، حتى أننا قد نتساءل كيف سنحيا إلى الغد، مثلما يحدث عندما نفقد عزيز أو عندما نفشل في أمر مصيري.


أنا نفسي مررت بمثل تلك الأوقات، ومررت بتلك الأوقات مع حالات تعاملت معها. ولذلك أنا أؤمن إيماناً كاملاً أنه يمكنك أن تجد الأمل حتى في أصعب لحظات الحياة، في أكثر اللحظات إيلاماً، عندما يضيع كل ما لديك، وحتى عندما تبقى وحيداً دون أي سند وبلا أي شيء. في كل تلك اللحظات، لا يزال هناك أمل. لكنك أنت هو من يصنع ذلك الأمل، فلا أحد غيرك يبني أفكارك وموقفك من الحياة.

"هنالك شيء طيب في هذا العالم، وهو يستحق أن تحارب من أجله." تولكين

الأمر المهم هنا أنه حتى أصغر قدر من الأمل يمكن أن يصنع الفارق، فالأمل والمثابرة يساعدانا في تحديد الأهداف وإحداث التغيير، والبقاء في مواجهة تحديات الحياة. لذلك أيا كان ما تمر به هنا والآن، اعلم أنك لست وحدك، وسوف تعبر منه. أو كما قال تولكين: هنالك شيء طيب في هذا العالم، وهو يستحق أن تحارب من أجله.


ولنا مع الأمل .. أيام أخرى.


من مقدمة كتاب #مملكة_الأمل لـ(كمال المصري)


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

هل يمكن ان يرتبط الأمل فى الحياه بشخص ما.. عدم وجوده فى حياتك يفقدك الاحساس بالوجود؟ وما الحل اذا ارتبط الأمل وارتبط شعورك بالحياه بشخص فقد الأمل بلقياك واستسلم للظروف بل واقنع نفسه وحملك مسئولية الفراق

إقرأ المزيد من تدوينات كمال المصري .. في مملكة الأمل

تدوينات ذات صلة