أحببت أن أكتب عن قوة اتصال البشر وتشاركهم بمشاعرهم من أكبرها لأصغرها. وكيف لسؤال صغير مثل "هل أنت بخير؟" أن يجمعنا، وأن يجعلنا نشعر بالاطمئنان والانتماء
قبل عدة أسابيع، قرأت مقال ميغان ماركل الذي كتبته بعد أن أجهضت جنينها. وكعادتي، بكيت. لم أبك فقط حزنا عليها، بل بكيت لأني أعرف تماما ما تعنيه. وما تشعر به، وما تمر به.
نعم. أنا كنت من النساء الحوامل ال ١٠-٢٠% اللاتي ذكرتهن ميغان. تلك النسبة العالية التي تجهض بين النساء.
ولم تحدث مرة واحدة، بل مرتين. وكم كانتا مؤلمتين.
تقول ماركل عن الإجهاض :"خسارة طفل تعني أن تحمل حزنا لا يمكن تحمله، كثير من النساء مررن به، لكن القليلات يتحدثن عنه."
وأنا أيضا كنت من القليلات.
ماركل عبرت بطريقة عبقرية بسيطة عن الذهول والصدمة التي تعتري النسوة اللاتي أجهضن. مرحلة الإجهاض لا تهم، لأن الفقد شعور مقيت جدا.. في كل مراحله، لكني لا أنكر أبدا أن الإجهاض في مراحل الحمل الأخيرة أو المكتملة أكثرها وجعا وفجعا.
لامست قلبي وهزت كياني حين كتبت: "ربما طريق التعافي يبدأ بثلاث كلمات بسيطة.. هل أنت بخير؟"
للأسف، نحن معتادون أن نجيب على هذا السؤال بسطحية مثيرة للشفقة وبإجابات بديهية كالرد الآلي الموحد. "آه انا منيحة/منيح. شو بده يكون مالي يعني؟" أو "يعني لو قلتلك شو مالي رح يطلع بإيدك تساعدني؟" أو "يعني لو حكيت رح يروح الشي اللي مضايقني؟" أو الأكثر شيوعا "مافي اشي أحكيه" ومثلها كثيرة.. وأكثرها استفزازا تلك النعم أو الـ"آه" التي تخرج مع نبرة غريبة، التي لو سمعناها سنعرف ان وراءها الكثير من الضيق والرغبة العارمة في الانفجار، لكن الخوف من البوح والتحدث كي لا يطلق الآخرين أحكاما علينا وعلى مشاعرنا، وأحيانا "البرستيج" يقفان في الطريق. وهو فعليا الطريق نحو الارتياح.
من الأشياء الجميلة التي أؤمن بها، والتي أجد فيها أثرا في حياتي أننا إذا شاركنا الفرح كبر، وإذا شاركنا الحزن صغر. وإذا شاركنا الحب نزدهر، واذا تشاركنا في الخير يفيض، وإذا تشاركنا بالأشياء الجميلة تعمُّ وتزيد!
برأيي أن المحبين الذين حولنا يحبون أن يشاركونا وأن نشاركهم ما نمر به من مشاعر وتجارب لأننا كائنات مجبولة على التواصل والعيش المشترك، فطبيعة البشر تقتضي أن يعيشوا معا، ويتشاركوا ويتزوجوا ويتكاثروا وهكذا. فبديهي أن يتشاركوا في مشاعرهم أيضا. وبديهي أن يتحدثوا عما في نفوسهم.
طبعا علينا أن نختار الأشخاص الذين نشاركهم بعناية، ولا داعي أن يكونوا عشرين شخص. يكفي اثنين أو ثلاثة، من غير أهلك.
وفعلا، عندما مررت بتجربتيّ الإجهاض لم أكن بخير أبدا.. خاصة في المرة الثانية لأنها كانت أصعب وأكثر إيلاما. ولأنني وجدت طريقي للخروج من الإجهاض الأول، لعبت دور البطلة التي لا تحزن ولا تتأثر بما حدث لها. وأقنع نفسي "هيك ربنا كاتب". صح. هكذا قدر الله لي.. لكني كنت ساذجة أني خلطت هذا بأن أسمح لنفسي بالحزن. وكنت أحترق ألما من الداخل كل يوم. وكنت من أولئك الذين يجيبون على "هل أنت بخير؟" بغضب أو سخرية.
لكني أيقنت بعد ثلاثة أشهر أنني لست بخير. وأنني في ألم لا يمكن العيش معه. وأنني لا أستطيع العيش هكذا. وعرفت أنني احتاج المساعدة، وتمنيت لو أنني لم أتكبر على نفسي وعلى الذين حولي عندما حاولوا التقرب مني ومساعدتي.
بعد أن قرأت مقال ميغان تيقنت تماما أنه لا يهم من أنت. ولا يهم وضعك المادي أو اسم عائلتك. المشاعر التي تعترينا هي نفسها. نفسها بتفاصيلها وقوتها. اختلافا بما يشعل شرارتها. نحن البشر متصلون أكثر مما نتخيل. مشاعرنا واحدة. بالفرح والحزن والحب والانزعاج والحماس والقوة والضعف والغضب والوحدة والرغبة بالاستقرار والفقد والاشتياق واللهفة و و و غيرها الكثير!!!!!
ليتنا نستوعب أننا بتواصلنا الحقيقي أقوى وأكثر سعادة، وأكثر قربا لكوننا "بخير". بتواصلنا الحقيقي نكون أقرب لكوننا بشرا سويين. لأننا نشعر بالانتماء والحب. شعور الانتماء الغريزي الذي يجعل عندنا رغبة في البقاء والاستمرار في الحياة وإيجاد الشغف وأداء الرسالة التي يعتقد الشخص أنه موجود في هذه الدنيا ليؤديها غير عبادة الله طبعا.
ربما علينا أن نتذكر أكثر أن معاركنا الحياتية مشتركة وانتصاراتنا فيها مشتركة أيضا، كالمشي في طفولتنا والنجاح في المدرسة وتكوين الأصدقاء ومن ثم التخرج والدخول للجامعة وتوفير الدخل الكافي لسد الالتزامات والبحث عن الشريك المناسب و و و... وبهذا، أؤكد لكم أننا سنشعر بغيرنا أكثر، ونكون أكثر تعاطفا وانتباها لمشاعرنا ومشاعر الآخرين.
بتواصلنا الحقيقي، ومشاعرنا الصادقة سيمكننا أن نسأل "هل أنت بخير؟" بصدق، وأن نجيب عليها بصدق أيضا... تخيلوا لو أننا نسأل أصدقائنا المقربين "هل أنت بخير؟" وقال أو قالت:"لا، أشعر أني أحتاج أن أتحدث عن شيء حصل معي." أو.. "لا لست بخير، لكن... شكرا على سؤالك." مجرد شعور الطرف الآخر أنك مهتم، كفيل بأن يجعله يشعر بالانتماء أو الاهتمام. وأن يولد في رأسه فكرة أن هناك من سيسمعني لو وددت الحديث.
ولكل شخص لا يحب "الفضفضة" أقول لكم:
١. ربما قد خُذلتم. اختاروا الأشخاص المناسبين.
٢. الفضفضة ليست ضعفا. الخوف من التجربة هو الضعف.
نحن الآن مرتبطين ومتوحدين أكثر من أي وقت مضى بنظري. هذه الظروف العالمية الاستثنائية التي أجبرت الجميع على اتخاذ الاحتياطات، وجعلتنا لا نرى من وجوه الناس إلا أعينهم، والتي حرمتنا من عناق من يمرون بأزمة عائلية، والتي حرمتنا من رؤية أناس نحبهم مزقتنا عن بعضنا الغربة، والتي جعلت المعقمات من أهم المقتنيات، والتي كانت سببا في تدهور العديد من العائلات ماديا ومعنويا. نحن الآن في حالة أقل ما نقول عنها موحدة. ظروف جبرية على الجميع. أقل ما يمكننا فعله، هو أن نشعر ببعضنا البعض.. وأن نسأل عن بعضنا.. أسئلة بسيطة عميقة. مثل:"هل أنت بخير؟"
وبعدها ننتظر ردا عميقا.. علنا نشعر بالانتماء والوحدة والتشارك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات