لماذا وكيف علينا ان نربي اطفالنا في الطبيعة وتحت الهواء الطلق.

لعل‏ من اهم ذكريات طفولتنا هي تلك المشاهد التي كنا فيها نلعب بالرمل والطين تحت الشمس، نتذوق منه قليلاً في غفلةٍ ممن حولنا، نجمع الحجارة والحصى، نتسلق الأشجار، نجمع الزهور والثمار، ونلمس العالم المحيط بكل حواسنا، ممتلئين بالطبيعة من كل جانب.ورغم ذلك، وخلال سنوات قليلة لم يعد هذا المشهد الرائج للطفولة في مجتمعنا، أغلقت الأبواب والنوافذ وحبس الأطفال داخل البيوت الاسمنتية وتهافتت المصادر والمراجع لخلق عوالم تعليميةٍ للأطفال داخل غرف نومهم، او افساح مزيد من المساحة امامهم داخل غرف أخرى في المنزل، وكأننا نغدق بالكرم على أطفالنا بالسماح لهم باللعب داخل هذه المساحات المحدودة الضيقة.


تشير الدراسات الحديثة الى أن نسبة تعرض الأطفال للأنشطة المشتملة على استخدام الالكترونيات باتت تصل الى ثماني ساعاتٍ في اليوم، بينما يقضي الطفل ما يقارب ثلاثين دقيقة اسبوعياً في الأنشطة خارج المنزل حسب دراسة أجرتها مؤخراً جامعة ميتشغن في الولايات المتحدة.ارقام مثل هذه تدق نواقيس الخطر وتطرح تساؤلات عديدة عن تأثير مثل هذه الأنماط التربوية في تنشئة الأطفال، فهل حقاً يحتاج أطفالنا للعب في الخارج؟ هل الاحتكاك بالطبيعة يثري ويغني عقل الطفل ويسهم في تطوير مهاراته؟ وهل فلسفة التربية تحت نور الشمس حاجةٌ ملحة لأطفالنا ام مجرد نظرية تضاف لمجموع النظريات غير المحسومة عن التربية والطفولة.


في دراسةٍ حديثةٍ في جامعة الينويز، اثبتت ان اللعب في الخارج من شأنه ان يلهم ويشحن الأطفال بالطاقة. اشتملت الدراسة على تجارب على اطفالٍ مصابين بمتلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه، واظهرت بشكلٍ ملحوظ قدرة أولئك الأطفال على التركيز بشكلٍ أفضل، والتحدث بطلاقةٍ وحرية كلما كانوا محاطين أكثر بمساحاتٍ خضراء ويتم تعرضهم لها بشكل دوري، خلصت الدراسة الى ان احدى اهم طرق علاج الأطفال المصابين بالمتلازمات هي دمجهم أكثر بالطبيعة واخضاعهم لنشاطاتٍ خارج المنزل ضمن خطط علاجهم. في الحقيقة ان لعب الأطفال في الطبيعة مفيدٌ لهم على كل حال. فالحدائق والمساحات الخضراء لا تشتمل على قواعد للعب، فيمكن للأطفال ان يوظفوا خيالهم لابتكار طرق عديدة للاستمتاع واللعب، وتوظيف أيديهم وتحريك اجسامهم في سبيل ذلك.

كما ان اندماج الأطفال في اللعب داخل مجموعاتٍ في المساحات الخضراء يسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم والدفع بطاقة تطوير مهاراتهم الاجتماعية وحصيلتهم اللغوية بسبب كمية المصطلحات الجديدة التي يتعرضون لها في كل يوم في العالم الخارجي.


كما لا يخفى تأثير التواجد في الطبيعة على الصحة النفسية والجسدية للأطفال والبالغين. حيث قدمت دراسةٌ يابانيةٌ حديثة دلائل على أثر المشي داخل الغابات على تخفيض ضغط الدم، وتقليل سرعة نبضات القلب، وتخفيض افراز هرمون القلق (الكورتيزول)، بالإضافة الى أثر الوجود ضمن الطبيعة على الصحة النفسية وتخفيض القلق والتعرض لنوبات الهلع والغضب.

مما يتبادر للذهن عند العديد من الآباء والأمهات هي الطريقة الصحيحة لبدء اشراك ودمج أطفالهم في عالمنا اليوم في أنشطة خارج المنزل تشمل اتصالاً مباشراً بالطبيعة والمساحات الخضراء، لذا قمنا بإعداد دليلٍ مبسطٍ للبدء في تربية الأطفال تحت نور الشمس:


1- انقل نشاطاتك للخارج: بسبب سرعة الحياة اليومية وانشغال الآباء والامهات بالمهام العاجلة واعباء الحياة، لذا فينصح بتوجيه الوقت التي تقضيه العائلة في المهام اليومية الى نشاطات خارج المنزل، ففي حال وجود حديقة منزلية، ينصح بنقل النشاطات داخل البيت الى الخارج في الحديقة المنزلية، وعند الذهاب الى المركز التجاري لقضاء الحوائج ينصح بقضاء جزء من الوقت في الحدائق العامة او في المشي في الحي السكني.


2- النشاطات المدرسية: ان مناقشة واقتراح الأنشطة المشتملة على الاحتكاك في الطبيعة داخل مدرسة اطفالك تبدو من أهم وأفضل الطرق للبدء في دمج الأطفال مع الطبيعة. لذا فينصح بمناقشة واقتراح افكارٍ كنادي الطبيعة واللعب بالرمل داخل فناء المدرسة للمشرفين داخل مدارس الأطفال.


3- اصنع مساحاتك الخضراء بنفسك: في حال عدم توافر حديقة منزلية، ينصح باستغلال الشرفة المنزلية بزارعة الازهار والنباتات الداخلية، واشراك الأطفال بحرث التربة وتنمية البذور داخل أواني الزراعة، وتتبع نمو النباتات مع الأطفال. لا ضير في استخدام التكنولوجيا اثناء هذه العملية، بل وظفها بحيث تصبح من نشاطات الطفل اخذ صور للنباتات اثناء المراحل المختلفة لنمو النباتات والتحدث والتعبير عن هذه العملية في البيت والمدرسة.


4- النزهات العائلية: اجعل الوقت المخصص للترفيه يتمحور على نشاطات ترفيهية ضمن الطبيعة، لا داعي لقضاء وقت الترفيه داخل المجمعات التجارية والألعاب الالكترونية، بل خصص الوقت المتاح للترفيه للعب في الحدائق العامة او زيارة الغابات او الاشتراك بنوادي الطبيعة او نشاطات الرياضة ضمن المساحات الخضراء، ولعل من أفضل الأماكن لقضاء الأطفال الاجازة الصيفية هي نوادي الطبيعية والسباحة المكشوفة ونوادي كرة القدم.


5- اصنع شبكتك الخاصة من محبي الطبيعة: ان من أفضل الطرق للاندماج أكثر في فلسفة تربية الأطفال تحت نور الشمس هي إيجاد الدعم وتكوين شبكة علاقات مع أولئك الذين يؤيدون توجهك. بادر بالتواصل ضمن شبكة أقاربك ومعارفك عن عائلات تدعم توجه تربية الأطفال ضمن الطبيعة، قم بتنظيم مجموعات للعب واجتماع الكبار والصغار داخل المساحات الخضراء. قم مع شبكة علاقاتك بتبادل الأفكار والتخطيط للأنشطة، وشارك مصادرك ووسائلك معهم. ولا ضير في توسيع دائرة مشاركة هذه الأفكار الخلاقة مع الأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي للنشر والتوعية ولتشجيع الآخرين على المبادرة والمشاركة في شبكتك الخاصة من مربي الأطفال ضمن الطبيعة.


وفي النهاية، لا شك أن تربية الأطفال ضمن الطبيعة سيعود ضمنياً بالنفع على الآباء والامهات من حيث مساعدتهم على أخذ وقتٍ مستقطع لإراحة عقولهم وأجسادهم من دوامة الحياة السريعة، والاستمتاع بوقت مميز مع أطفالهم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هالة أبو الفحم

تدوينات ذات صلة