يُعتبر الشعور بالفشل أحد أصعب المشاعر التي تؤثّر على سعادة الإنسان وتُعيقه عن تحقيق أهدافه التي يصبو إليها.

من منا لم يتعرض للفشل في فترة معينة من حياته سواء في الدراسة أو العمل أو في الحياة العاطفية فكل منا جرب هذا الشعور ولو لمرة واحدة !. إن مشاعر الإحباط للفرد تأتي من عدم النجاح والإخفاق المتكرر في مواقف متعددة أو متتالية، وعدم القدرة على فعل ما يريد، خاصة إذا أراد تحقيق هدف ما ولم يجد أي سبيل لذلك، فالفشل يأتي في صور عديدة كأن يفشل الفرد نتيجة عدم التوصل لحلول للمشكلات التي يواجهها في حياته، أو فشل الطالب في الدراسة ورسوبه في أحد الصفوف المدرسية، أو عدم التمكُّن من التسجيل في التخصص المرغوب في الجامعة، أو أن يفشل خريج الجامعة في البحث عن عمل يتناسب مع مهاراته ومؤهلاته، أو أن يفشل الإنسان في العلاقات العاطفية، والموقفين الأخيرين من أصعب المواقف التي قد يمر بها الإنسان!

حيث يشعر خريج الجامعة بالقلق والتوتر المشوب بملل الانتظار وهو يأمل بالحصول على وظيفة أو فرصة عمل تلائم تخصصه الجامعي، فيقتله الانتظار لسنوات، وهو يترقب إعلانات الصحف والمواقع الإلكترونية التي تعرض فرص عمل، أكان داخل البلاد أم خارجها، لا يترك بابا لا يطرقه بغية إيجاد وظيفة مناسبة يستدرك بها ما مضى من أيام البطالة القاتلة للطموح، خاصة في الدول النامية التي يعاني أغلب شبابها من البطالة، ويتراكم الإحباط مع القلق عندما يرون أو يسمعون عن شخص لم يكد يتخرج وإذ بالوظيفة ذات الراتب المغري قد تأمنت بفضل الواسطة، ما يجعلهم يشعرون بالحزن والكآبة خاصة إذا مرت سنين طويلة وتحتم عليهم العمل في مجال خارج تخصصهم.


فبين التخرج والعمل، لا يدري الشاب كيف يكون حاله ويؤرقه لعدم تأمين مستقبله أو حتى التخطيط لقادم الأيام، وتصير كل المشاريع والأحلام مؤجلة إلى أجل غير معلوم، ما يؤثر ذلك بشكل كبير على سعادته، لأن مشاعر الإحباط المتكررة تولد لديه الشعور باليأس وبالحزن. أما الفشل في العلاقة العاطفية فيعتبر أيضا من أكثر المواقف الصعبة، وخصوصاً إذا كانت هذه العلاقة تنشد بها أن تتوج بالزواج، وبعد أن أصبح الطرف الآخر جزء لا يتجزء من نسيج الأحلام المستقبلية، ويشعر الشخص وكأن شيئًا ما أصاب روحه، فربما يفقد الكثير من حيويته وشهيته للحياة، وقد يتطور الأمر لإنعكاس هذة الآلام النفسية لآلام جسدية، بحسب العديد من الدراسات النفسية والتي أكدت على أن سوء الحالة النفسية التي تنتج عن فشل علاقة عاطفية يلقي بأثره ليترجمه الجسد في صورة آلام عضوية.

خيبات الأمل المتكررة في الحياة بشكل عام تجعل الشخص يشعر بكآبة وحزن واحباط ويأس شديد يحس كأنه يموت وهو على قيد الحياة، فتترسخ في ذهنه فكرة أنه إذا فشل مرة فإنه سوف يفشل في كل مرة، إلا أن الفشل لا ينفي القُدرة على النجاح في المستقبل. يرتبط الفشل بالعديد من العوامل المختلفة، منها النفسية، الاجتماعية، والاقتصادية.. فالأسباب النفسية والتي ترتبط أساسا بطريقة تفكير الإنسان من خلال تفكيره الدائم بشكل سلبي، ما يجعله يخاطب نفسه بكلماتٍ تُثير الإحباط مثل (لا أقدِر، لن أنجح)، مما يؤثّر على نفسيّته ويجعله يشعر بالقلق الذي يمنع التقدُّم في العمل أو يجعل الإنسان يتوقّع الفشل مُسبقاً ويرفض بعدها تكرار تجارب أخرى.في حين الأسباب الاجتماعية تتمثل في التفضيل بين أفراد المجتمع باستخدام المحسوبية، والرشوة، وليس على أساس الكفاءة مثلما الحال في الدول النامية، إلى جانب تلقي الإنسان للوم والنقد داخل محيطه الاجتماعي كأن يقول من حوله أنت إنسان غير ناجح، وترافق تلك التعليقات مع تصرفات تُذكّر الإنسان بفشله.

وفيما يخص الأسباب الاقتصادية تعود أساسا إلى انتشار البطالة في عدد كبير من الدول خاصة النامية، الأمر الذي يعاني منه الشباب الكفؤ، حيث لا يتمكنون من إيجاد فرص العمل التي تناسبهم، مما ينعكس على صحتهم النفسية بشكل سلبي، ويزيد من الشعور بالفشل لديهم، خاصة إزاء الفقر المادي الذي يقف حائلاً أمام تحقيق الأحلام الخاصة بفئة الشباب. إن التعامل مع الفشل يستوجب تحليل أسباب هذا الفشل مع الاعتراف بالتقصير إن وجد، والعمل على الأخذ مستقبلا بكل الأسباب التي تؤدي إلى تلافي الوقوع في الفشل، هذا في حالة ما إذا كان الفشل غير خارج عن إرادة الشخص، أما إذا كان خارج عن إرادة الإنسان، فما عليه إلا الصبر والقبول بالأمر الواقع مع اليقين بأن الفرج قريب. كما يتوجب تغيير طريقة التفكير من السلبي إلى الإيجابي الذي يعتبر هو المحرك الأول للدوافع والانفعالات التي تسبق الفعل، فإذا نجح الشخص في برمجة أفكاره برمجة إيجابية، نجح في التحكم بكل المعيقات التي تأتي من العالم الخارجي والتعامل معها، وبالتالي يمنع تلك العوامل الخارجية من التأثير على نفسيته.


ويجب أيضا تعلم الفرد من الأخطاء التي تم الوقوع فيها في الزمن الماضي، وتقبل الفشل وعدم السماح له بالسيطرة على التفكير والشعور باليأس والإحباط، والعمل على تحويل هذا الفشل إلى حافز للنجاح في المستقبل، والنظر إلى قاعدة الهبوط والصعود في الحياة كجزء من عملية التعلم الإيجابية. هناك العديد من الشخصيات كثيرا ما سمعنا عنهم أنهم نجحوا بعد فشل تعرضوا له في فترات معينة من حياتهم، مثل "توماس أديسون" الذي قال عنه مدرسوه أنّه غبي لدرجة أنه لا يستطيع تعلم أي شيء، لكن توماس يحمل أزيد عن 1000 براءة اختراع، بعض هذه الاختراعات غيرت العالم، وأهمها المصباح الكهربائي وكاميرا الأفلام وبطارية الألكالاين.

أما "هنري فورد" فتعرض لفشل عام 1901 في اعادة إنتاج نموذجه الأول لسيارة بمحرك يعمل على الوقود، ليقرر المستثمرين حل الشركة. عاد بعدها فورد وتمكن من إقناع بعض المستثمرين بالاستثمار في فكرته مرّةً أخرى. فورد تعرض لمضايقات عندما قام المستثمرين بجلب شخص للإشراف على عمله، الأمر الذي دفعه إلى ترك العمل على مشروعه. استمرت محاولات فورد إلى أن وجد الشريك المثالي "أليكساندر مالكومسون" ليجد طريقه ويصمم سيارة من ابتكاره بالكامل، وهي سيارة "فورد" موديل "A" التي بدأت معها رحلة شركة "فورد العالمية". وأيضا "والت ديزني" الذي تعرض للفشل في بداية حياته العملية وطرد من إحدى الصحف لضيق مخيلته وعجزه عن ابتكار قصصا جديدة! وتعرض الأستديو الخاص به للإفلاس عام 1924 بعد عامين فقط من إنشائه، وكان على وشك الإفلاس مرةً أخرى عام 1937 قبل أن ينقذه انتاجه لفيلم الكرتون الشهير "سنو وايت والأقزام السبعة".

وفي الأخير السيدة "أوبرا وينفري" المشهورة حيث تعرضت للطرد من أول عملٍ لها كمذيعة بمحطة تلفزيونية في "بالتيمور"، وقالت أنها تعرضت للكثير من التمييز والمضايقات، لكنها لم تستسلم أبدا لذلك، وتُعتبر أوبرا اليوم من أكثر مقدمي البرامج التلفزيونية مشاهدةً في العالم.

ذكرنا فقط بعض الشخصيات الشهيرة وليس كلها،

ولو بحثنا أكثر سنجد أن أغلب الأشخاص الناجحين في حياتهم تعرضوا لفشل ذريع من قبل، لا ننكر أن الفشل من أصعب المواقف التي قد يمر بها الإنسان والتي تؤثر بشكل كبير على سعادته، لكن الأهم من كل هذا هو كيف تتصرف وتخرج نفسك من دوامة الفشل!، فمثلما يوجد الفشل في الحياة يوجد أيضا النجاح ومثلما يوجد الحزن في الحياة توجد أيضا السعادة، فقاعدة الهبوط والصعود في الحياة لا مفر منها.

كل الشخصيات الذين نجحوا غيروا أفكارهم نحو الإيجابي وتصرفوا بذكاء أكبر إزاء المواقف الصعبة التي تعرضوا لها، فالفشل ما هو إلا فرصة لتجربة طريق آخر لذا لا تبحث عن النجاح في المكان الذي فقدته فيه، ولا تتوقف عن المحاولة أبدا، فمع مرور الوقت ستندم على الأشياء التي لم تفعلها وليس على الأشياء التي فعلتها، خاصة أنه لا توجد قاعدة في الحياة تقول أنك إذا فشلت مرة معناه أنك سوف تفشل في كل مرة، لذا كن على يقين أن ما تطمح إليه سيتحقق يوما ما بإذن الله، وستشكر نفسك بعدها لأنك لم تستسلم.

يجب أن تكون قويا لأجلك فإذا انكسرت بسبب فشل تعرضت له اجمع حطامك وانهض من جديد فقصتك لم تنتهي بعد!، ولا تتخلى عن حلمك بسهولة وتجاهل ما يقوله الآخرين عنك ولا تسمح لهم بأن يقللوا من شأن حلمك بل اجعل كل ما يخصك عظيم، كلماتهم السلبية التي تجعلك تفقد ثقتك بنفسك ليست مقياسا للحقيقة، وتأكد جيدا أن الفشل ليس عكس النجاح بل جزء منه.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات فايزة مزيان

تدوينات ذات صلة