جزء من كتابي عن رحلتى او تجربتي الذاتية مع مرض الذهان وهذا الجزء يحكي القصة باختصار , وادعوا القراء لقراءة باقي الكتاب

ترددت كثيرا ان اكتب هذا المقال..احيانا يشعر المرء ان تجربته مع الالم شديدة الخصوصية..بالاضافة الى عار ووصمة المرض النفسي في بلادنا..

لكن لم اشاء ان تنتهى تجربة تحمل الكثير من الدروس بدون ان انقلها لكم كتجربة واقعية فيها الالم وفيها الفرح..

وربما كانت ارادة الله من قصتى ان تنشر..لتحمل الامل لمرضي الذهان...

وتحمل معنى ان يحصل انسان على حياة جديدة من الرحمن

في الحقيقة لقد كنت شاباً مثل أي شاب , كان فقط لدي حلم أو أحلام أريد تحقيقها

وقد سعيت من أجل هذا بعدما أنهيت فترة تجنيدى كان يداعبني حلم السفر مثل الكثير من الشباب ووجدت فرصة للعمل في الأردن وسافرت معتمداً علي الله سعياً للنجاح والعمل ,

عملت بجد ونجحت في عملي في أكثر من مكان في العاصمة عمان ثم في مدينة العقبة الساحلية ,

كنت قد أكتسبت للأسف عادة سيئة من خلال العمل مع الأجانب في السياحة في شرم الشيخ أو العقبة الأردنية علي السواء وهى عادة شرب الكحوليات ,

للأسف وقعت في هذه العادة السيئة واستنفزت مالي ولم أكن أدرى أنها ستستنزف أيضاً صحتي وتكون من أسباب مأساة عانيت منها الكثير لمدة ثلاثة اعوام من عمري .

في الحقيقة أن تذكر مثل هذه الأحداث يكاد يعتصرني الماً كأن سكيناً يخترقني لن يدرك ما أعنيه الا من مر بتجارب مماثلة

أسأل الله الا يعاني أحداً ما عانيته فيما بعد ..

بعدما عدت إلي أرض الوطن (مصر) وعدت إلي عملي بمدينة شرم الشيخ وكنت أبلغ من العمر 24 عام ,

كنت قد ذهبت إلي وظيفة جيدة في بزار سياحي تابع لشركة تركية في فندق خمس نجوم وكانت الامور علي ما يرام ,

حيث انني والحمد لله علي كل شيء اجيد عملي كبائع واتحدث الروسية والانجليزية بصورة جيدة ..

بدأ الامر بأشياء غريبة كانت تحدث لي ولم أكن أعلم وقتها تفسيراً لما يحدث ,

مثل أفكار روحانية قوية (وانا لم أكن متديناً حينذاك) ثم بدأت أشعر بطاقة غريبة أتحدث بسرعة وبطلاقة مع الزبائن ومع زملائي في العمل ,

وأحياناً كنت أشعر بأنني لا أستطيع التحدث مع الناس , شيء أخر لا أخجل من ذكره هنا بدأت أشعر أنني أنظر إلي عورات الناس لم أجد تفسيراً للأمر غير أنني قلت في نفسي أنني قد أمتلكت حاسة روحانية !!

سيطر علي هذا الوهم وبدأت في التحدث بطريقة غريبة مع مديري ومع الزبائن , حتي حدثت الطامة الكبري , أو السقوط كما أسميه ...

في ليلة غبراء بعدما أنهيت عملي في البزار واستقليت السيارة مع المدير وأوصلني الي السكن ..بدأت الأفكار السلبية تهاجمني وبشدة , لم أستطع تمالك نفسي ,

بكيت بكاءاً مراً , ثم في لحظة كان هناك فيلم يعرض علي جهاز التليفزيون وباقي زملائي نائمين , وبدأ عقلي يربط ما بين أحداث حياتي وأحدث الفيلم بطريقة بدت منطقية لعقلي جداً ...

لم أستطع النوم في هذه الليلة من قوة الافكار التى غلبتني ولم أستطع التوقف عن التفكير , كنت يائساً أريد أن أنام ليتوقف عقلي وأستريح ,

ولكن لا راحة بعد هذه الليلة ولمدة ثلاثة أعوام بعدها ..

في الفجر أتصلت علي والدتي وقلت لها كلاماً متقطعاً ممزوج بالبكاء , لم تفهم أمى ولا أخي ما يحدث لي ..ولا أنا..ولكن قلت لها : من فضلك يا أمي تعالي أنا أحتاج إليكي هنا..

في اليوم التالي لم أكن قد نمت مطلقاً , واتى مدير البازار بسيارته ليصطحبنا كالمعتاد إلي العمل , أخبرت زميلي أنني سأنام وان يذهبوا هم بدونى ,

قال لي : المستر يقول لك أن لم تأتي معنا اليوم ستفصل من العمل .أجبته : أننى سأغادر شرم علي أي حال وأن والدتي اتية لأصطحابي ..

لم أكن حقاً أستطيع مجاراة أحد أو الحديث أو أي شيء , سيطرت علي أوهام قوية بالحياة والموت والعمق والأرتفاع والبعد ..وأشياء كثيرة أخري..

ذهب صاحب العمل مع زملائي وتركني , حاولت أن أنام لم أستطع , بدت الحياة أمامى كئيبة جداً وتملك مني اليأس وانا قابع في الغرفة وحيداً وأمسكت سكيناً وأردت أن أقتل نفسي به ...

كنت جباناً لم أستطع ...حاولت وحاولت ..لم أستطع..بعد قليل أتى صاحب العمل وأخذني معه في السيارة لم أكن في حالة أستطيع بها الحديث مع أي أحد ,

فأنقدت الي أوامره بأن أعود الي العمل ..عندما وصلت إلي الفندق بدأ وهم أخر يسيطر علي أنني قد مت , وهذه هي الحياة ما بعد الموت وأنني أحاسب مع الناس ,

وبدأت أتسأئل مع نفسى أسئلة غريبة : إذا كنت أنا قد مت , هل مات معي كل زملائى في العمل والمدير والذين في الفندق لذلك أنا أراهم الأن ,

لماذا يخفون عني أننى مت وأحاسب ..أفكار جنونية..وبدأت أتصرف علي هذا الأساس ,

وفجأة ازدادت النوبة تشاجرت مع المدير ومع زملائي وأعتديت علي سائحة أجنبية ...بالطبع طردت شر طردة من الفندق وأشكر الله أنهم لم يسلموني إلي الشرطة ,

اما زملائى فوقفوا معي خارج بوابة الفندق يحاولوا أن يفهموا ماذا يحدث لي , وأنا غارق في البكاء , تركوني وعادوا إلي الفندق...

أما أنا فغارق في بكائي واستقليت سيارة تاكسي ومن حظي الجيد (ان كنا نستطيع أن نقول أن هناك حظ جيد في هذا الجزء من القصة) كان معي نقود أستطعت أن أدفع لسائق التاكسي الذى كان مستغرباً من حالتي حالتى..وصلت إلي منطقة الهضبة ودخلت إلي مركز أنترنت كنت دائم الذهاب إليه , وبدأت أكتب رسائل غريبة إلي كل معارفي ,

وجدت أمى تتصل دخلت في حالة أنهيار من البكاء لم يعرف صاحب المركز كيف يتصرف معي ..

وإذ فجأة تأتي معونة السماء ويدخل (مينا) أخي الاكبر الذي ترك عمله في فندق أخر ليبحث عنى وأخذني في سيارة تاكسي وانا في حالة بكاء شديدة وغياب عن الوعي..

وأخذني إلي غرفة أستاجرها لي ..وصلت أمي إلي شرم الشيخ في المساء...

حدثت أمور كثيرة في هذا اليوم لا أجد داعي لذكرها هنا ...

قامت أمى وأخي بتأجير سيارة خاصة ونقلوني إلي القاهرة...

بعدما أخذوني إلي أكثر من مستشفي وانا في حالة شديدة من الجنون (وصلت أنني تعديت علي رجل في الشارع أمام احد المستشفيات)

أخيراً أعطوني دواء منوماً وأستيقظت بعد ثلاثة أيام في المستشفي لا أدري أين أنا وماذا أتى بي إلي هنا ,

عرفت من المرضى الأخرين أننى في مستشفي أمراض نفسية وأنني قد فقدت الوعي وحدثت لي نوبة مرض نفسي , ا

لأن كان قد بدأ يتضح لي الامر , استمروا في أعطائي أدوية منومة ومخدرة ,

كلما أستيقظت قليلاً أحاول التفكير , ولا أستطيع التفكير من الادوية المخدرة ثم أعود إلي النوم ...

خضعت إلي أكثر من جلسة علاج بالكهرباء , وفي النهاية عندما زارتني امى قلت لها : من فضلك أريد أن أذهب وأغادر هذه المستشفي ...لأعود إلي بلدي (بنى سويف) لأواجه مرحلة أخري من المعاناة ربما كانت أسوأ وأبشع..

في بني سويف بدأت أذهب إلي طبيب أسمه (الدكتور نادر) طبيب نفسي بدأت أشرح له ما أصابني وأخبرني أنني أعانى من مرض شديد ومزمن أسمه (مرض الذهان)..

وما أصابني في شرم الشيخ أسمه (نوبة ذهان)لم أكن قد سمعت من قبل بكلمة مزمن وفهمت عندما سألته أنها تعني أن هذا المرض مثل مرض السكر يجب أن أخذ له علاج مدي الحياة ..

الفترة الأولي من العلاج كنت في المنزل مخدراً معظم الوقت , حاولت الانتحار بالاقراص المنومة الموصوفة لي في الاوقات التى كنت أستيقظ فيها..لم أنجح..

بسبب أننى كنت في أغلب وقتى بعيداً عن محافظة بني سويف فقد كان أصدقائي هنا لا يتعدوا ثلاثة أصدقاء أحدهم سافر دبي والثاني أبن عمي وهذا زارني يوم واحد بعد المرض..ولم يأتى مجدداً..والثاني كان أكثر وفاء وأريد أن أشكره هنا (محمد صلاح)..كان يزورني كل يوم ويأخذني نخرج في الحديقة أو علي مقهي ..

بعد بعض الوقت كنت بدأت أعود إلي وعيي وكانت حالتى أفضل (ولكن كنت مازلت في حالة شديدة جداً من المرض) حاولت أن أتحامل علي نفسي وبدأت أخرج أجلس علي مقهي مثلاً ثم أعود إلي المنزل ,

أجلس مع والدتي في محلها بعض الوقت...كان هذا أمراً يحتمل لبضعة شهور , كنت أظن أننى ٍاعود إلي طبيعتي بسرعة , ولكن خاب أملي عندما أكد لى دكتور نادر أننى سأظل أعالج فترة طويلة ,

أصررت (بما تبقي لي من بعض القوة) ان أذهب إلي طبيب أخر ...وقد كان ذهبت إلي (الدكتورة منى) التى كانت لطيفة جداً وأخبرتني بكل بساطة أنني يجب أن أستمر علي العلاج لمدة سنتين ثم سأعود إلي طبيعتي...

يا للبساطة , بهذه البساطة تخبرني أنني سأظل مريض لمدة عامين...اممم عامين أخرين , تقصدين أننى يجب أن أضيع عامين أخرين مريضاً وملتزم المنزل..

ثارت ثائرتي في هذا اليوم , وكنت أتمنى لو أبكي , ولكن نسيت أن أخبركم أن في هذه الفترة من المرض لا يستطيع مريض الذهان أن يتأثر بالمشاعر أو يحزن أو حتي يضحك ,

كنت مثل ابله بلا مشاعر , كان بداخل أعماقي فكر , لكن حقاً لم أكن أستطع أن أعبر عنه أو أخرجه , ناهيك عن حالة خوف قوية من الناس (رهاب إجتماعي).بعد فترة شعرت أننى أفضل ,

أو لكى أكون أكثر دقة شعرت أننى يجب أن أتظاهر أننى أفضل لكي أستطيع أن اغادر المنزل لأنى كنت قد بدأت أشعر أننى أصبحت ضيف ثقيل..

وجدت فرصة للعمل في أحد الفنادق السياحية بمدينة 6 أكتوبر في أعمال الكمبيوتر ولكن عندما ذهبت وبعد أستلمت العمل وجدت أنه ينبغي علي القيام بوظيفة موظف إستقبال أيضاً بجانب أعمال الكمبيوتر ..

وكان هذا الامر للأسف صعوبة شديدة ,

أن أقوم بالتعامل مع النزلاء في الفندق والحديث معهم, ويجب أن يكون لدي مهارة التواصل والحديث ,

وهو للأسف أمر لم أكن أستطع القيام به في هذا الوقت بالذات...

شيء أخر أن زملائى الاخرين كان قد لاحظوا عليا أننى لست أجتماعياً ومهاراتي في التواصل ضعيفة جداً ,

وبالطبع كان هذا الامر ما جعلني عرضة للتنمر بطريقة أو بأخري..

نعم التنمر حتي موجود بين الكبار..لم يكن أمامى حل الا أن أصلي , قلت : ان كنت يارب موجود أرجوك في هذا الوقت ساعدني لأننى ليس لدي حل أخر الا أن تساعدني...

وفي الحقيقة لقد كان الدعم النفسي الذي كنت قد استمدته من الدين والتقرب من الله كافياً ليساعدني علي النجاح والتغلب علي اي محاولة للتنمر واكتساب صداقات هؤلاء ..

وبسبب أن الدين كان فعلاً قد ساعدني بهذه الطريقة فقد بدأت رحلة أخري من المعاناة بعد هذا الالتزام الديني ,

حتي أنني قررت أن أترك العمل في الفندق وأعود إلي بنى سويف لكي ازداد تقرباً إلي الله عز وجل..وللأسف وقعت في مشكلة أخري زادت من أعبائى النفسية ,

كانت هذه المشكلة هي أننى طلبت من الله أن يشفيني من المرض , وعندما شعرت بالايحاء النفسي ان الله قد استجاب توقفت عن الادوية تماماً

بالرغم من الاطباء كان قد حذروني بأن الا أتوقف أبداً عن الدواء وخاصة في هذه المرحلة من المرض ..

ولكن هذا ما فعلته ,

توقفت عن تناول الدواء لمدة 7 أشهر كنت فيها شخصية الملتزم دينياً المهووس بأفكار بعيدة حتي عن الفكر الديني الطبيعي...

لا أقول أبداً أن المعجزات التي تحدث هي وهم لكن ما حدث معي هو بالظبط نوع من الوهم النفسي المختلط بأفكار دينية خاطئة ,

لم أراجع حتي احد قسوس الكنيسة لكي أتأكد من صدق ما توهمت ..

وكانت النتيجة بعد 7 شهور من توقفي عن تناول الدواء أنني قد أصبت في النهاية بإنتكاسة ذهان وهي أقوي وأقسي من المرض نفسه ,

وظللت أعاني من هذه الإنتكاسة بين الوعي واللاوعي لمدة عام ونصف العام...لكى تنقضي مدة مأساتى ,,

بعد ثلاثة أعوام من معاناة مع هذا المرض اللعين وبعدما تعرفت علي طبيبة نفسية ناجحة في عملها أستطاعت أن تفهم المرض وتشخصه جيداً وأعطتني الدواء المناسب

وتعافيت في خلال شهور بسيطة وهي الدكتورة التى انقذت حياتي (الدكتورة ميرا فهيم)...

بدأت أعود إلي وعيي بعد هذه الإنتكاسة ورويداً رويداً بدأت أتلمس الطريق إلي الانخراط في المجتمع مرة أخري ..

ووفقني الله وأستطعت أن أنهي رواية كنت قد كتبتها قبل المرض عن تجاربي المعاشة في الدول التي سافرت اليها وتواصلت مع دار لايت للنشر والتوزيع التي رحبت بالرواية وقمنا بتوقيع عقد وتم نشرها ,

وأستطعت تنمية مهاراتي في التصميم الذي كنت قد تركته لفترة بسبب المرض وعدم مقدرتي علي التفكير المنطقي ووجدت عمل بمرتب جيد نسبياً في أحد مكاتب الدعاية والإعلان بالقاهرة...

ثم عدت الي شرم بعد 4 سنوات وعملت بمكتب دعاية واعلان كمصمم ومنذ عام اعمل باحدى المطابع الاوفست بمدينة السادات البحيرة

بدأت أعود علي إستحياء , لا أذكر الكثير عن خبرات الماضي ولكنني مستعد أن اتعلم من جديد , ومستعد أن أن أنجح , وان أتفوق في مجالي ,

وأن أقوم بالدراسة من جديد وأحصل علي شهادة جامعية .. وأن أتعلم , وأن أضحك , وأن أبكي , وان أحب وأن أعيش..اكتب واقرا

وابتعد عن ما يقودنى الى نهاية حزينة اخري..الان انا في عامى الاخير بمعهد خاص قسم ديكور وبجانب كتاباتى ومدونتى وعملى لدى احلام ومشاريع خاصة

تجعلنى اخوض معركة اخرى جديدة مع الحياة

.ملحوظة لم انشر كتابي هذا بعد ورقيا او حتى كفصول في صفحات الويب وقد كتبت فيه مشاعري ايام المرض بالاضافة الى شرح عن المرض وبعض الاعمال النثرية كتبتها في اشد حالات التعب..ارحب باي ناشر يقدم عرض لطباعة وتوزيع الكتاب



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ما كتبت عن تجربتك قي العلاج كيف تعالجت كيف شخصت حالتك وكيف تغلبت علي مرضك عندي حالة مريض ذهان وبحاجه الي المساعدة

إقرأ المزيد من تدوينات جريدتى - تقدمية مستقلة

تدوينات ذات صلة