ذكاء "نايك" في فن الحكي ساعدها في خلق ترابط قوي مع قاعدة كبيرة من العملاء، وهذا ما يحتاجه عالم الأعمال اليوم.




يستيقظ رجل ليلاً في أخر ليلة من عام 1999، يرتدي ثيابه وحذائه ويقرر أن يركض. الشوارع من حوله يملؤها الشغب والدمار وتبدو إنها نهاية العالم، ولكنه مازال يركض! غير مبالياً بما يحدث حوله، حتى يقابل شخصاً يركض هو الأخر في طريقه غير مكترثاً بما يفعله الآخرون من حوله، فيلقيان التحية على بعضهما البعض ويكمل كل منهما طريقه.


هذا كان إعلان لماركة الأحذية الرياضية الشهيرة "نايك"، والذي ربح وقتها جائزة Emmy Awards لفئة أفضل إعلان لسنة 1999. عندما شاهدت هذا الأعلان لأول مرة وجدته غريباً ومُضحكاً، ولكن في النهاية وصلتني رسالة "نايك" من الإعلان، وهى أنه مهما حدث يجب أن تُكمل ما قررت أن تفعله. على مدار سنوات كانت هذه هى رسالة وقصة "نايك" منذ أن تم تأسيسها سنة 1964 على يد فيل نايت. لقد حددت الشركة منذ البداية حكاية ورسالة معينة تشاركها دائماً مع عملاءها بل وتجعلهم جزءاً من قصتها. وقد بُنيت القصة على فكرة أنه كما استطاع مؤسس "نايك" تأسيس شركته برأس مال لا يتخطي الـ 1000 دولار، وأن يجعلها خلال سنوات قليلة واحدة من أشهر ماركات الأحذية الرياضية، فكل شخص يستطيع تحقيق حلمه أيضاً مهما كانت قدراته وما يمر به من ظروف.


لقد استطاعت "نايك" باستخدام ذكائها في التسويق والـ storytelling أو فن الحكي من ربط اسمها ومنتجاتها بالإصرار والنجاح والإختلاف، مما خلق ترابط قوي بينها وبين عملاءها الذين يدعمون نفس هذه المبادئ والأفكار. وهذا ما يتجه إليه عالم الأعمال الآن، فالعديد من المؤسسات قبل أن تُقرر إطلاق منتجاتها أو خدماتها، أصبحت تفكر في خلق قصة يتفاعل معها عملاءها ويشعرون بالإنتماء لها. وخلق هذه القصة لا يجب أن يكون دائماً مرتبطاً بقصة المؤسسة نفسها كما في حالة "نايك"؛ يمكنك خلق قصة لا تحكي عما مرت به المؤسسة، ولكن تحكي ما تسعى لتحقيقه من أهداف لمساعدة الآخرين.


فأنه من المهم أن تعمل على الجانب النفسي للعميل من أجل أن تدفعه لشراء منتجك أو خدمتك. ولقد تحدث عن هذه النقطة الدكتور أنطونيو داماسيو، أستاذ علم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا، في كتابه "خطأ ديكارت"؛ حيث تحدث عن أهمية المشاعر والجانب النفسي، وتأثيره في إتخاذ البشر للقرارات، خاصة التي تتضمن عمليات الشراء أو إختيار خدمة ما. ولقد استنتج داماسيو هذه النظرية بناءاً على دراسة له تم فيها إختبار مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من عدم الترابط بين نصفي المخ، النصف المسؤول عن التفكير، والنصف المسؤول عن المشاعر؛ وفي هذه التجربة، استطاع هؤلاء الأشخاص إدراك الفروقات بين ما تم تقديمه لهم من إختيارات، ولكنهم لم يستطيعوا اتخاذ قراراً إتجاه هذه الإختيارات بسبب أنهم لا يستطيعون تحديد مشاعرهم إتجاهها. وتُعد هذه الإستراتيجية من أكثر الإستراتيجيات الناجحة في مجال التسويق، التي لا تعتمد على البيع المباشر، ولكن تعتمد على كسب ثقة العميل وتقديم حلول حقيقية تُسهل عليه حياته اليومية، أو تدعمه في قراراته وأحلامه. كما تفعل "نايك" في إعلاناتها؛ فهى لا تركز على المنتج الذي تقدمه، ولكنها تركز على تقديم قصة مؤثرة أبطالها هم عملاءها المحتملين.


لذلك خلال تخطيطك لمشروعك الجديد، ضع في الحسبان أن خلق قصة لمنتجك تربطه بمشاعر عملاءك، هو ما يزيد من ولائهم إتجاه ما تقدمه لهم. وأنه إذا شعر العميل أنك حقاً تهتم بمساعدته ودعمه، وأن القصة التي تحكيها تُعبر عن مشاعره أو أفكاره ومخاوفه؛ فهذا ما يدفعه ليس فقط لشراء منتجك، ولكن أيضاً لأختيارك دائماً مهما تعددت الإختيارات من حوله.


ندى أحمد

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ندى أحمد

تدوينات ذات صلة