لم يبقى التسويق على حاله منذ ذلك الوقت، بل أخذ يتغير ويتشكل مفهوم التسويق من جديد في كل وقت وفترة بما يتناسب مع معطيات وظروف تلك الفترة

التسويق التقليدي – بما في ذلك الإعلان، والعلاقات العامة والتعليم، والتواصل الشركاتي– يلفظ أنفاسه الأخيرة، ورغم أن كثيراً من الناس في وظائف ومنظمات التسويق التقليدية قد لا يكونون مدركين أنهم يعملون في فضاء منقرض، لكنهم كذلك بالفعل، والأدلة على ذلك ملموسة.

مؤشرات وعوامل النهاية

أولاً:

المشترون لم يعودوا يبالون إلا قليلاً بما يقال لهم. فدراسات عديدة تؤكد أنه في رحلة قرار المشتري صارت تواصلات التسويق التقليدية ذات دور ضئيل لا يكاد يذكر، يتحقق المشترون ويجدون المعلومات عن المنتجات والخدمات بطرقهم الخاصة، باستخدام الإنترنت في كثير من الأحيان، ومن مصادر خارج الشركة مثل أحاديث العملاء المباشرة word – of – mouth أو مراجعات وتعليقات المستخدمين Customer Reviews.

ثانياً:

الرؤساء التنفيذيون لم يعودوا يطيقون الصبر على الوضع الراهن، في دراسة مزلزلة عام 2011 شملت ستمئة شخص من الرؤساء التنفيذيين وصناع القرار أجرتها شركة Fournier Marketing Group اللندنية قال 73% منهم إن مديري التسويق العامين يفتقرون إلى مقدرة توليد نمو كاف في العمل، وقال 72% إنهم منهكون من طلب المال منهم دون أن يبين لهم الطالبون كيف سيولد هذا المال مزيداً من الأعمال، وقال 77% أنهم لم يعودوا يتحملون ولا يصدقون أي كلمة من الكلام الكثير عن قيمة العلامة Brand equity الذي لا يمكن ربطه بقيمة الشركة الفعلية أو أي مؤشر مالي آخر ملموس معتبر.

ثالثاً:

في بيئة اليوم المتزايد انصهارها بوسائط التواصل الاجتماعي Social Media فإن التسويق والمبيعات التقليدية ليست عاجزة عن البلاء بلاءً حسناً وحسب، بل هي لا محل لها.

تفكر في الأمر: كيف تستأجر منظمة ناساً – موظفين، ووكالات خدمات، واستشاريين، وشركاء – غير آتين من عوالم المشترين، والذين اهتماماتهم ليست بالضرورة متلائمة مع اهتماماتهم، وبعدئذ تنتظر منهم إقناع الزبون بإنفاق نقوده العزيزة على هذا المنتج أو تلك الخدمة!

عندما تحاول تمديد منطق التسويق التقليدي إلى عالم وسائط التواصل الاجتماعية فإنه ببساطة لن يعمل، فقط اسأل فيسبوك التي وجدت نفسها متورطة في جدال حول فعالية أو عدم فاعلية التسويق على فيسبوك.

في الحقيقة، هذا الجدال الأخير فيه من تضييع الصورة والتشتيت ما فيه لأن التسويق التقليدي لا يعمل حقاً في أي مكان، هناك كثير من التخمين حول ما الذي سيحل محل هذا النموذج المكسور، وثمة إحساس بأننا لا نملك سوى لمعات محدودة عن مستقبل التسويق على الهوامش. لكن في الواقع نحن نعرف الآن بكثير من التفصيل كيف سيكون النموذج الجديد للتسويق وهو في محل التطبيق في عدد من المنظمات. وهاكم مكوناته الرئيسة:

استعادة التسويق الأهلي Community marketing

باستخدامها استخداماً صحيحاً، تسرّع وسائط التواصل الاجتماعية تياراً تتزايد فيه مقدرة المشترين على مقاربة تجربة الشراء في مجتمعاتهم المحلية الملموسة. مثلاً: عندما تتفكر في صفقة مهمة كبيرة مثل بيت جديد، أو تلفزيون بلازما متطور، أو التعاقد مع جراح ممتاز، فأنت على الأغلب لا تذهب للحديث مع بائع ولا تمضي إلى قراءة المحتويات في مواقع شركات. بدلاً من ذلك على الأغلب ستسأل الجيران أو الأصدقاء –شبكة الزملاء Network of peers– عما يستعملون.

يجب على الشركات أن تقدم جهودها في الوسائط الاجتماعية تقديماً يجعلها تحاكي قدر المستطاع تجربة الشراء الأهلاوية هذه Community – Oriented وبدورها شركات الوسائط الاجتماعية – مثل الفيسبوك– ينبغي أن تصبح خبيرة في تمكين هذا الأمر. يمكنهم القيام بهذا عن طريق توسيع شبكة زملاء المشتري التي تستطيع أن تقدم له معلومات ونصيحة يعتمد عليها بناء على تجربتهم الخاصة مع المنتج أو الخدمة.

اعثر على المؤثرين على عميلك

ينفق كثير من الشركات موارد ضخمة في ملاحقة مؤثرين خارجين اكتسبوا المتابعة على الويب وعلى وسائط التواصل الاجتماعية. لكن الطريقة الأفضل هي اكتشاف وتنمية المؤثرين على العملاء وإعطائهم شيئاً رائعاً يتحدثون عنه. يتطلب هذا مفهوماً جديداً لقيمة العميل يتخطى قيمة عمر العميل Customer life time Value CLV: مقدار الربح الإجمالي الذي تتوقع الشركة جنيه من كل عميل خلال فترة شرائهم منتجاتها، المستندة استناداً حصرياً على المشتريات. هناك مقاييس أخرى عديدة لقيمة العميل الكامنة تتخطى ما يدفعه لك من نقود. مثلاً، كم هي كبيرة واستراتيجية لشركتك شبكة العميل؟ كم هو أو هي محترمة؟

أحد العملاء المحترفين الأكثر قيمة (MVP: Most Valuable Professional) لدى شركة مايكروسوفت يدعى لدى متابعيه في شبكته مستر إكسل. في بعض الأيام تتلقى صفحات موقعه زيارات أكثر من صفحة الإكسل على موقع شركة مايكروسوفت. يمثل هذا جمهوراً ذا أهمية كبيرة واضحة لدى الشركة التي تدعم جهود مستر إكسل “بمعارف داخلية” وبمراجعات لإصدارات جديدة. وبالمقابل فإن مستر إكسل وأمثاله من المحترفين الأكثر قيمة يساعدون شركة مايكروسوفت في اختراق أسواق جديدة بفاعلية أكبر وتكلفة أقل.

ساعدهم ليبنوا رأسمال اجتماعي

ممارسو هذا التسويق الجديد الأهلاوي Community oriented يقومون أيضاً بإعادة النظر في عرض قيمة العميل Value proposition المقدم للعملاء المحترفين الأكثر قيمة MVP (الدعاة أو المؤيدين الفاعلين) الناصحين الموجهين والمؤثرين. يحاول التسويق التقليدي في كثير من الأحيان تشجيع تأييد وتزكية العملاء Customer advocacy بالمكافآت النقدية، أو بالحسومات، أو أية محفزات أخرى مربكة ضعيفة الفاعلية. ولكن التسويق الجديد يساعد المؤيدين والمؤثرين في إيجاد رأسمال اجتماعي: يساعدهم في بناء شبكات ارتباطهم Affiliation networks، ترقية سمعتهم، وفتح الأبواب أمامهم للوصول إلى معارف جديدة، وهي أمور يرغب فيها المؤثرون كل الرغبة.

مثلاً: شركة National Instruments كانت تستخدم مقاربة مبتكرة مع مؤثري عملائها، الذين كانوا مديري إدارات وسطى باختصاص تقنية المعلومات في الشركات التي تتعامل معها. ارتبطت الشركة مع هؤلاء المؤثرين ارتباطاً وثيقاً من خلال تقديمها لهم أبحاثاً قوية مقنعة ونقاط تبرير مالية يمكنهم استخدامها لدى مخاطبة إداراتهم العليا تبين أن حلول شركة National Instruments توجد فوائد استراتيجية. أدى هذا إلى فتح أبواب الإدارة التنفيذية أمام الشركة. كما أدى إلى ترقية سمعة المؤيدين في المستويات الوسطى الذين أصبحوا ينظر إليهم كمفكرين استراتيجيين يقدمون أفكاراً جديدة للإدارة العليا.

اجعل ناصحي عملائك ينخرطون في الحلول التي تقدمها

لعل المثال الأبرز في هذا يأتي من عالم المنظمات غير الربحية. قبل بضعة أعوام، مع تزايد أعداد المدخنين من المراهقين في كل أنحاء الولايات المتحدة إلى حدود مقلقة قام مجلس ولاية فلوريدا بالنظر نظراً جديداً في كل جهودهم السابقة الممتدة عشرات السنين في معالجة هذه المشكلة. ما الذي يمكن أن يكون أصعب من إقناع مدخن مراهق بالإقلاع، هذه المشكلة التي قال بعض الخبراء إنها مشكلة غير قابلة للحل! وباستخدام التقنيات لبناء تأثير الزميل Peer influence في المجتمع أفلحت ولاية فلوريدا في حل المشكلة. قصدوا المراهقين المؤثرين “العملاء Customers” مثل القادة الطلابيين، والرياضيين، والشباب اللامعين الظرفاء الذين لم يكونوا من المدخنين أو الذين كانوا يريدون الإقلاع، وبدلاً من دفع رسالة لهم، قامت الولاية بطلب المعونة والرأي من هؤلاء الطلاب.

بهذا الأسلوب في مقاربة المشكلة حضر نحو ستمائة مراهق قمة حول تدخين المراهقين قاموا فيها بإخبار المسؤولين لماذا جهود مكافحة التدخين في الماضي لم تنجح. لماذا التحذيرات المفزعة حول العواقب الصحية للتدخين، أو توصيف عادة التدخين “بالعادة الوخيمة” لم تكد تترك فيهم أثراً. وفي الميدان ذاته قام المراهقون بعصف ذهني لابتكار مقاربة أخرى: جن اهتمام المراهقين جنوناً بوثائق تبين أن قادة شركات التبغ كانوا يستهدفون المراهقين بالتحديد ليحلوا محل الزبائن الأكبر سناً الذين ماتوا (من مرض سرطان الرئة أحياناً) وهكذا شكل المراهقون مجموعة تدعى “الطلاب العاملون ضد التبع SWAT” التي نظمت جولات مواصلات وورشات عمل وباعت قمصاناً ونظمت أنشطة أخرى تروق للمراهقين حتى يدخلوا رسالتهم إلى المجتمعات المحلية. والنتيجة: بالرغم من الهجمات المعاكسة من قبل شركات التبغ المتحالفة فإن تدخين المراهقين في فلوريدا انخفض بمقدار النصف تقريباً بين عامي 1998 و 2007 وهو يكاد يكون أكبر نجاح في مكافحة تدخين المراهقين تم تحقيقه حتى الآن.


Alyaa Mostafa

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Alyaa Mostafa

تدوينات ذات صلة