القراءة شهوة، ولكنها من ذلك النوع المتسامي الرفيع، والذي يجلو القلب ويصقل الروح، ويمد النفس بالتجارب العريضة، ويغذي الخيال بصور ليست كالصور
"ابحث عن شيء يثير اهتمامك أو يجعلك تقلب الصفحة بشغف كي ترفع رأسك حين انتهائك من القراءة لترى أن العالم قد تغير من حولك"
آدمز
القراءة شهوة شأنها شأن سائر الشهوات، ولكنها من ذلك النوع المتسامي الرفيع، والذي يجلو القلب ويصقل الروح، ويمد النفس بالتجارب العريضة، ويغذي الخيال بصور ليست كالصور، إنه إضافة لسجل الخبرات، ولا أجمل ولا أروع من منظر المنضدة ذات الكتاب والكوب والنافذة التي تتسلل منها أشعة الشمس أو المصباح المتلألئ إذا كان الوقت ليلاً، فهناك القارئ الليلي والذي ينتظر حتى تهدأ الأصوات وتغمض العيون ليدلف إلى مكتبته كما يدلف الملوك لقلاعهم الحصينة وبلاطهم المعتق، بينما البعض الآخر ينتظر بزوغ الصباح وانتشار الضوء وتردد العافية في الروح فيفتح كتابه ويلج إلى ذلك النعيم المعجل؛ القارئ الممتاز لا تحول بينه وبين كتابه الظروف ولا يقرأ ليقال قارئ ولا يهمه رأي الآخرين ولا يلهث خلف المعلومات يجمعها ويحفظها ويلقيها بمناسبة وغير مناسبة، إنه يجمع الجواهر ونفائس الأساليب وطرائق التفكير وضروب الخيال وبارع التصوير ليحيا أكثر من حياة ويتنفس أكثر من عصر ويطوف في البلدان ويعبر الزمن لليالي العهود المليحة والأيام الصبيحة، شهوة كهذه لا ترضى إلا بالاستبداد والتفرغ الشبه التام، القارئ مستبد ومناضل إنه لا يرتوي ولا يشبع من الاقتناء والقراءة والاستهلاك الفكري وإعادة الإنتاج مجددا في صور أسلوب حياة أو عمليات ذهنية أو قدرة فائقة على تقدير المواقف وفهم الحياة ورحمة الأحياء، القارئ سنبلة، القارئ غيمة، القارئ بئر، القارئ بحر، القارئ سفينة، القارئ غابة تضم كل فصول الجمال المخيف والغموض اللذيذ.
وهنا نقاط بودي البوح بها لمحب الكتب وهي:
نقاط هامة
-إن لم تجد نمواً عقلياً بمعنى رجاحة عقل مع مر الأيام وأنت قارئ ومحب للكتب، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراءة .
-إن لم تجد نمواً فكرياً بمعنى مسالك للتفكير جديدة وآفاق للتعاطي مع المواضيع جديد، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراءة .
-إن لم تجد نمواً نفسياً بمعنى طرائق في استقبال تقلبات النفس ومهارة في تعديل المزاج وتعديل السوية النفسية مهما حصل وتم، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراءة .
-إن لم تجد نمواً اجتماعياً بمعنى بصيرة في فهم الناس وطبائعهم وقدرة على الانفصال من الموقف الحاضر والانتقال الرشيق لمستوى من التفاهم معهم لا أقول للتوافق التام بل للتعايش الممكن، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراءة .
-إن لم تجد نمواً خيالياً بمعنى التصرف بأزمة التصوير يمنة ويسرة والتلاعب بالمشاهد العادية تركيباً وتفكيكاً وتداخلاً ومزجاً وقصاً ولصقاً لتعطي مشاهد غير عادية فتكون قطرة الماء على طاولة خشبية قضية تناقش لألف عام، وحزمة أعواد على كاهل عجوز تراجيديا ذات ألوان عدة متدرجة من الأسود إلى الأبيض ومن الأحمر إلى البني، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراءة .
-إن لم تجد نمواً روحياً بمعنى التوفيق لعكوف القلب على تجليات الأسماء والصفات، والعمل بمقتضى آثارها، والحضور الكامل في وظيفة الوقت، وعرض القرآن على قلبك وكأنه للتو أنزل تدبراً وفرحاً واغتناء به وتوفيقاً للسلوك الجيد بأقصر الطرق وإتقان لمذاهب الحب والتملق والأوبة الرقراقة كماء الغمام، فأعد النظر فيما تقرأ وفي طريقة القراء .
-إن لم تجد نمواً عاطفياً بمعنى فهماً آخر لمن نبادله المشاعر وفهما آخر لعالم الأحاسيس وأنها عطاء ورحابة وبذل لا انتظار ولا مقايضة ولا تصفية حساب، بل جدول خريره عذب يسقي الناس الماء البارد الزلال ولا تزيده الدلاء إلا صفاء .
القراءة ليست مهمة يجب إنجازها ولا وظيفة يجب أداؤها ولا هماً نروم اطراحه بل نزهة تحت ضوء القمر، ولكنها نزهة محسوبة الخطوات، مكلفة المسير، محفوفة بالخطر، لها ضريبة، ومنها عائدة تغطي كل نفقاتها بأضعاف مضاعفة على مستوى العقل والفكر والنفس والخيال والعاطفة والروح.
وهنا يأتي السؤال:
هل القراءة للجميع؟
سنتعرف على هذا في التدوينة القادمة بإذن الله، إلى اللقاء.
التعليقات