سمعتُ صدى اسمي يُهتَفُ في الفضاء سمعته من جنوب الأرضِ وشمالِها، مشارِقها ومغاربها وكلهم أجمعوا على أنني حرة!

عزيزتي شيماء

استلمت رسالتك منذ مدة ليست ببعيدة، لكن كان من الصعب الرد عليها بسرعة؛ فكما تعلمين الأحداث توالت في مُدني وخاصةً حبيبتي غزة العزة وأُصيبَ العديد من أبنائي بجروحٍ بعضها طفيفة وبعضها الآخر أثيلة!

استُشهِدَ المئات منهم ولكن ما أدمى قلبي كثيرًا هو موت أطفالي!

هل تعلمين أنني أعاني مُنذ ثلاثةٍ وسبعينَ عامًا وفي كل عام أفقد الكثيرَ الكثير؛ أفقدُ شيوخًا، نساءً، أطفالًا حالمين بالعيد، وشبابًا مناضلين ينسونَ آمالهم وطموحاتهم للدفاع عنّي طِوال هذه السنوات بلا كللٍ أو ملل!

وكيفَ يملونَ الدفاع عن والِدتهم التي تحتضنهم منذُ الولادة حتى نيل الشهادة!

كُنتِ تظنينَ أنني سأكتُبُ - والِدتهم التي تحتضنهم منذُ الولادة حتى الموت - لكن أبنائي لا يموتون كما يموت الناس في أنحاء العالم، أبنائي يموتون بصواريخ فتاكة ورصاصات طائِشة، يموتون دفاعًا عني؛ فإما النصر أو الشهادة!

طيلة هذه السنوات وقلوب أطفالي تنبضُ بالمقاومة وعقولهم تُبنى على حبّي؛ حبّي أنا فلسطينُهم!



منذُ سنوات طويلة وأنا أُعاني وقلبي يَئِنُّ ودموعي تنهمر، وأرضي لم تعد تقوى على حمل ركام البيوت المهدَّمة وأشلاء الشهداء، فاضتَ أنهاري وبحيراتي بالدماء الزكية، ولكنني واللهِ صابرة ومرابطة لحماية أبنائي ومُدُني وأحيائي ومُقدساتي وقدسي وأقصاي!

صابِرَة على رائحة عوادم الصواريخ والركام!

صابِرَة على هدم بناياتي الجميلة وقطع أشجاري التي عمرها أطول من عمر هذا الإحتلال!

صابِرَة على وجود هذا العدو الصهيوني فوقَ أرضي رغمًا عني لأن هناكَ من يدعمه ويقف معه وأنا ليسَ بيدي حيلة، هذا العدو الجبان الذي يهاب حجارة أطفالي وصرخات نسائي ونظرات شبابي!

صابِرَة على طقطقات أقدام الجنازات فوقي وحملها بينَ أحضاني!

هل تعلمينَ أنَّ حضني الدافيء يتسع لهم جميعًا؛ يتسع لأن يلملم هذه الأيدي والأقدام والجماجم المتناثرة، يتسع لأنهار الدم الزكية كالمسك، يتسع ويتسع...


صابِرَة أنا وراضية فهذه الحرب نهايتها نصر أبنائي وهذا وعدُ الله!

صابِرَة وقوية بشبابي الذينَ ينثرونَ الرعب في قلوبِ أعدائهم بأسلحتهم البيضاء!

هل تعلمين يا شيماء

هذا العام كانَ مُختلفًا عما سبقه، فقد عُرِفَت قضيتي وانتشرت بسرعة الضوء لم تصل بهذه الطريقة في الماضي كما وصلت هذه المرة، في كلِّ مرَّةٍ عبرَ هذه السنوات كانت قضيتي مجهولة يحبسها البعض في أنفاسِهم وبينَ دموعهم وينطقها البعض في دعوات موجهة نحو السماء ويكتبها البعض الآخر في منشورات عبر وسائل الإعلام، لكن هذه المرة قضيتي تصل لأنها قضية حق ولأنَّ الحق ينتصر ولأنَّ "الباطِلَ كانَ زهوقا" ، تصل لأنَّ هذه أرضي وأرض أبنائي وأشجاري ومقدساتي!

عرفتها جميع ديانات العالم عرفها الرجال والنساء والأطفال في دولٍ بعيدة بعيدة جدًا، سمعتُ صدى اسمي يُهتَفُ في الفضاء سمعته من جنوب الأرضِ وشمالِها، مشارِقها ومغاربها وكلهم أجمعوا على أنني حرة!

نعم أنا حرة وسأبقى حرة!

حتى لو اجتمعت الدول البعيدة والمجاورة على أنني لستُ كذلك سأبقى حرة أبية!

حتى لو لم أجد من يضمد جراحي وجراح أبنائي ولو لم ترمم بناياتي!

حرة بأبنائي وأقصاي!

صدقيني سيأتي يوم وتُفتح حدودي وتخمد النيران والصواريخ المضيئة في عتمة لياليَّ الطِوال وسيُطرد العدو وسيصلي الجموع في ساحات أقصاي المبارك!

أتمنى حضورك فالصلاة في أقصاي لها سكينة مختلفة والتجول في مدني الخضراء ينعش القلب ولمس ماء ينابيعي يُشعِرُكِ وكأنكِ تلمسينَ الماء الدافيء للمرة الأولى في حياتك وطعامي لهُ مذاق مختلف لذيذ وهانئ!

أشكرك على كلماتك الجميلة وأعلم أن هناك أشخاص ما في هذا العالم كما أنتِ يحتضنونني بينَ ضلوعهم ويبكونني بحرقة ويناجونَ الله من أجلي لكن هذا حالي، اه يا حالي!

قد يَصْعُبُ عليكم حالي كما يَصْعُبُ عليَّ ولكن

سينتهي هذا الحال فدوامه من المحال!

وستفرحونَ أنتم وأبنائي بفوزٍ عظيم ونصرٍ جَلَلْ!

حينها سأبتسم ساخرة في وجه العدو والمُطبِّع!

وستبتسمينَ معي أنتِ وأمثالك!

بقلم فلسطين الحرة



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء شقبوعة

تدوينات ذات صلة