هنا سنرى قسوة العالم ... هنا سنرى كم هو خالٍ من الإنسانية و متجرد من الأحاسيس هنا سنرى الوجه الحقيقي للعالم الجانب المظلم منه

في الغابة الخضراء الشاسعة جلست تحدث نفسها : كيف يقولون أن العالم قاسٍ ومليء بالكراهية ؟ كيف يعرفون هذا ؟ أخبريني أيتها الرياح هل ما يقولونه صحيح ؟ هل العالم سيء إلى ذلك الحد ؟؟ أخبريني بالحقيقة ألم تزوريه و تطوفي أقطاره كاملة ؟! قولي لي ماذا رأيتِ ؟؟ قولي أنهم يكذبون ..... العالم مليء بالحب والحنان أليس كذلك ؟؟!


ظهرت أمامها فتاة الرياح شعرها الطويل المزين بإكليل من الزهور و رداءها أبيض طويل و قالت : ما سمعته صحيح يا عزيزتي العالم وليس كما تظنين لا بطفح بالحب والحنان ولا حتى الإنسانية .... العالم قاسٍ يغرق بالكراهية والحقد والعداء والألم ..... خالٍ من الإنسانية متجرد من العواطف والأحاسيس ..... أعلم تقولين أني كاذبة وأنك لا تصدقين ما أقول ،،،، لكن اسمحي لي أن أقول لك _ قبل أن تغدقي علي بسيلٍ من الاتهامات _ أنا زرت كل العالم أعرف كل زقاق فيه احفظه عن ظهر قلب رأيت فيه الجانب المظلم من الانسان رأيت المٱسي والمصائب رأيت و رأيت الكثير من الألم والمعاناة والدموع ...... رأيت ما لم تريه ..........

_ إذاً أريني أنا أيضاً .... أريد أن أرى ما رأيته أيتها الرياح ..... أرجوك طوفي بي في هذا العالم فأنا أريد أن أرى بعيني مدى قسوته ...

_ سٱخذك لتريه ،،، لكن هل ستتحملين كل ما سترينه ؟!

_ أجل سأتحمل ....

_ حسناً إذا .... هيا بنا ....

استدعت فتاة الريح بساطها الطائر ... لم يكن سجادة فارسية مزركشة كما سمعنا عنها في القصص والأساطير ... لم يشبه الذي ركبه علاء الدين بل كان ورقة شجر كبيرة طافت في الفضاء لتحمل الحائرة الصغيرة ....

همست الصغيرة بحزن وقد خاب أملها : توقعته مختلفاً ...

_ لا تتوقعي مني الكثير فأشياء البشر لا تغريني ... أحب أن استخدم ما تسخره لي الطبيعة ...

صعدت الطفلة على البساط وغادرت برفقة الصديقة الجديدة لترى الحياة والعالم .......


توقفتا في محطتهما الأولى ..... أرضٌ خربة مدمرة يسكن أهلها الأزقة والشوارع سألت الفتاه بصدمة : ما الذي حدث هنا ؟! لِمَ كل هذا الخراب ؟! لم تجب فتاة الريح بل أخرجت من جيبها مرٱة صغيرة نفخت عليها لتظهر صورة لمدينة جميلة يسكن أهلها بسلام وأمان .......

قالت : هكذا كانت من قبل .... حتى جاء الذي طمع فيه الأعداء فيها طمعوا بمواردها ومقدراتها أرادوا سلب تلك المكتسبات لكن السكان رفضوا إعطائهم ما أرادوا فأحالوها ركاماً في ليلة واحدة انزلوا عليها الغارات و حولوها إلى حطام ورماد .....

_ و لكن ،،،، ل .... لماذا فعلوا شيئاً كهذا ؟!

_ حتى يصير الأهالي بحاجة لمساعدة من هذه الدول فيجبرون على اعطاء أرضهم مقابل بعض التبرعات البسيطة ..... هذا أحد جوانب قذارة هذا العالم .... تمعني فيه جيداً تنشقي من هوائه فهو يحمل رائحة مميزة ...

_ إنها رائحة غريبة و مزعجة ....

_ هذه رائحة الجثث المحترقة ... لا تزال عالقة في الجو حتى الآن ... ظهرت ايمارات الخوف على وجه الصغيرة فقالت برعب وهي تصعد البساط : هيا بنا .... لنذهب من هنا .... فأنا لم أعد أطيق هذا المكان ... استجابت لها فتاة الرياح وغادرتا إلى وجهتهما الجديدة ........



بنايات ضخمة شوارع كبيرة أسواق فاخرة مدينة الأحلام هنا .... رائحة العطور الفرنسة والسيارات الفارهة والمجتمع الراقي

قالت الفتاة الصغيرة : ماذا سنرى هنا ؟! فهذا المكان رائع .....

ابتسمت فتاة الرياح وقالت : هذا هو القسم الأول من المدينة القسم الثاني هناك ... و أشارت بيدها إلى بيوت متهالكة وطرقات بالكاد تصلح للسير ومتاجر تخلو من البضاعة مدينه الكوابيس هنا _ إن صح التعبير _ روائح كريهة غازات عادمة من أشياء يقولون أنها سيارات والمجتمع الرجعي والمتخلف انعقد لسان الصغيرة لم تعرف ماذا تقول ؟!

قالت فتاه رياح حين رأت صدمتها : هكذا هي أغلب المدن طبقة من الثراء الفاحش وطبقة من الفقر المدقع .....

ذلك المجتمع هناك لا يأبه للماسأة هنا بسبب مثل هذه المجتمعات انتشرت الجريمة بكل أنواعها : عنف و ابتزاز سرقة وقتل ..... أولئك تجردوا من الإنسانية _ القسم الاول _ والآخرون تحولوا إلى وحوش بشرية

_ القسم الثاني _ لا تسألي عن السبب فلا سبيل لهم للعيش الي هكذا .... انظري . و اشارت بيدها إلى مجموعة كبيرة من الناس كانوا قد هاجموا على شاب أعزل أبرحوه ضربًا وانهالوا عليه بالركلات والشتائم .... تركه مضرجاً بالدماء بعدما أخذوا ما أرادوا منه .... كان رغيف خبز جاف شبه متعفن تقاسمته المجموعة بينها بفرح وكأنهم غنموا بكنز لا يقدر بثمن ...

قالت الصغيره بوجل : لم أكن أتوقع أن العالم وصل إلى هذا الحد ... لم أتخيل يوماً أن الناس يتقاتلون فيما بينهم من أجل كسرة خبز تسد رمقهم .... لم تقل فتاة الريح شيئاً بل طارت و خلفها البساط يتبعها إلى وجهتهم التالية


سدت الشوارع بالاطارات المحترقة ... المتاجر أغلقت والأعمال وتعطلت أعلن الاضراب الشامل والعام .... خرج حشد كبير من المواطنين إلى الطرقات يصرخون بعبارات الحرية والعدالة والمساواة ينددون بسياسة الحكم الظالمة المستبدة ... فجأة أسكتهم صوت إطلاق نار فالجو عناصر الدرك تدخلت لايقاف الاحتجاج ..... تدافع المتظاهرون وبدأ غضبهم يزداد ... اشتبكوا مع عناصر الأمن الذين انهالوا عليهم ضرباً بالهراوات والبنادق ... استعملوا الغاز المسيل للدموع لتفريقتهم ...... البعض هرب والآخرون أصيبوا واختنقوا ... تركوا ليلاقوا حتفهم ...... ألقى رجال الأمن عليهم نظرة أخيرة قبل أن يغادروا مخلفين وراءهم شبه مجزرة ..... سألت الصغيرة : لماذا فعلوا كل هذا؟!

_ لأن المواطنين خرجوا ليقولوا كلمة حق .... لأنهم طالبوا بالحرية والعدالة واسقاط نظام الحكم الظالم .....

_ يا إلهي ... كم هذا وضيع ،، مثل هذه الأنظمة يجب أن تسقط ...

_ أجل أنت محقة يا عزيزتي ،،، لكن كما رأيت هذه هي نهاية كل من يتجرأ على تحدي هذا النظام و تلك السلطه التي تدعى حمايتها لحرية التعبير ... حل الصمت عليهما لثوانٍ حتى قالت فتاه الرياح من جديد : هذا هو العالم بكل ما يحمله من قسوة وحقد أما زال هنالك ما تريدين رؤيته وتصديقه. صمتت الفتاة وأخذت بالبكاء كيف لا والعالم الذي حسبته وادعًا و محباً ومسالماً تبين أنه ظالم مستبد ...

قالت بين شهقاتها : لم أعد أريد المزيد لم أعد أحتمل هذا كنت أظن أن العالم الذي سأقضي فيه مستقبلي مضيء ومبتسم ،، لكن تبين أنه مظلم و عابس .... إنه على نقيض ما توقعته تماماً ...

احتضنتها فتاه الرياح وقالت : لا تحزني يا صغيرتي أنتم من ستعيدون بناء المستقبل ...... ستجعلونه أفضل وأجمل أكثر طيبة ورقة مملوءًا بالحب والإنسانية ... ستقدرون على هذا فقد انظري إلى المستقبل بعين إيجابية وثقي بنفسك ...

لم ترد الصغيرة على كلامي فتاه الريح بل طلبت منها أن تعيدها إلى الديار.



نزلت عن البساط واحتضنت فتاه الرح مودعة قالت لها : سأنتظر لقاءنا القادم بفارغ الصبر ... سنلتقي أليس كذلك

_ ربما ،،، لكن بعد أن تبني المستقبل الذي يحلم به جميع الأطفال أتعدينني ؟!

_ أعدك ... لن أخيب ظنك بي سأشتاق إليك كثيراً يا فتاه الرياح ..

_ وأنا كذلك فصلتا العناق ابتعدت عنها حتى أحاطتها دوامة من بتلات الأزهار لتنقلها إلى عالمها في الفضاء قالت قبل أن تغادر : ثقي بنفسك فأنت تستطيعين تحقيق المستحيل .... وغادرت ...

صرخت الفتاة من وراءها : سأفعل ... شكراً لك .. إلى اللقاء يا صديقتي...


تمت ...

SHAHED ALI

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات SHAHED ALI

تدوينات ذات صلة