في فلسطين كل شيء يختلف. وقد آن الأوان لنلفت نظر العالم إلى هذا الاختلاف...

في هذا البلد العظيم تقع مدينة غزة، هذه المدينة التي يموت أطفالها داخل أرحام أمهاتهم قبل رؤية أي شيء، حتى قبل أن يلقوا نظرتهم الأولى على الشمس والقمر.

ولكن الغريب أن يكون في هذا الأمر نعمة؛ ففي بعض الأحيان يكون الموت أكثر رحمة من العيش مع المُحتَل، وأخف وطأة من رؤية منزلك المهدّم وأفراد عائلتك المدفونين أسفل أنقاضه...

إن المكان الذي يقع تحت ظلم المُحتَل؛ لا يمكن لقاطنيه أن يروا نور الشمس أو جمال القمر.

في غزة إذا جاع الناس فإنهم يتغذون على الألم، وإذا أرادوا العيش بسلام يجدون أن المعاناة هي الطريقة الوحيدة للعيش. فإذا فكرت يومًا أن تجول ببصرك على عائلات هذه المدينة ستجد أن الأمهات فيها ليس لديهنَّ مهمة تحضير العشاء كباقي الأمهات في العالم، وذلك لأنه بحلول الليل لن يكون قد تبقى لهن منزل يعدون فيه الطعام، ولا حتى أشخاص يأكلونه؛ فكل من في العائلة يكون قد مات. يختفي أثرهم وكأنهم كانوا مجرد قصة عابرة على ألسنة أحد الأجداد، وانتهت بخلود الجميع إلى النوم. وبالطبع يكون الأمر أهون على العائلة عندما تفنى كلها دفعة واحدة، فأكثر الأمور حزنًا أن ينجو أحدهم من هذه المجزرة وحده، ويقضي ما تبقى من حياته في البكاء على من رحلوا....

لك أن تتخيل أن يكون الناجي الوحيد هو الأب مثلاً، وأنه ذهب ليشتري أكفانًا لأطفاله في الوقت الذي يشتري فيه باقي الأطفال ملابس العيد. أبآء هذه المدينة يُجبرون على السير في جنازات أبناءهم قبل أن تُتاح لهم الفرصة أن يحتفلوا بزفافهم أو تخرجهم على الأقل.

في فلسطين يكبر الأطفال قبل أوانهم، ويشيخ الشبان من أحزانهم، وكل شيء يفنى بسرعة. فترى الناس فيها يغلقون أعينهم ويُدفَنون تحت التراب، وكأنهم أدركوا أن الظلام أفضل من بقعة بيضاء يلطخها المحتلون بسوادهم.

ولكن على الجانب الآخر من العالم، هناك أشخاص قد طال إغلاق أعينهم وقد حان الوقت لكي يفتحوها ويشاهدوا ما يجري بوضوح. كيف يمكن أن نغلق أعيننا عن منطقة من العالم، خرج أطفالها ليلعبوا الكرة، وعادوا جثثاً بلا رؤوس؟ وكيف يمكن للصمت أن يلزمنا ونحن نرى الأشخاص يُطرَدون من منازلهم بالقوة أو يموتون داخلها؟

إن كان الله قد منح عباده أعينًا وأفواهًا، فذلك من أجل أن يبصروا الحق وينشروه ويبصروا الباطل ويفضحوه، وما يجري حاليًا في فلسطين، وما جرى منذ وقت طويل، يُعتبر أشد أنواع الباطل، وقد آن الأوان لفضحه.



إقرأ المزيد من تدوينات سلمى عديلي

تدوينات ذات صلة