لقد بات من الواضح للشباب اليوم، أنّ أساليب التعلّم التقليدية والتي كانت في يوٍم من الأيام هي الشكل الأساسيّ للتعلم، لم تعد تعمل كما كانت في السابق.

لعلّه من العسير في هذه الأيّام أن تكون شابًا في عالَمٍ كهذا، فالتحدّيات اليوم أصعب من تلك التي كانت تواجه الشباب في الماضي. إذ إنّ مئات الملايين من الشباب اليوم، لا يكتسبون المهارات الملائمة لمتطلّبات العمل. كما أنّ جودة التعليم وفرص تنمية المهارات وإمكانية الوصول إليها محدودة للغاية، لا سيما للفئات المجتمعية الأكثر تهميشًا. ويحدث هذا كلّه في الوقت الذي ساهمت فيه جائحة كورونا COVID-19 بتعميق هذه الأزمة بشكلٍ أكبر، حيث شهدت 190 دولة مستوى معينًا من إغلاق المدارس منذ بداية الوباء.


تزعزع كذلك المستويات الابتدائية والثانوية والتعليم العاليّ، وتراجعت مستوياتها بفعل الجائحة، وهذه المستويات -من خلال تجربتي- تشكل أساسًا هامًّا للمشاركة المدنية المستقبلية للأطفال والشباب، والتي بغيابها ستفاقم تدهور الأوضاع التمكينية للأطفال والشباب وستزيد من عدم وضوح شكل المستقبل، وهو ما يزيد من إلحاح السؤال الهامّ: كيف سيستعيد العالم التعليم السليم الذي حُرِم منه جيل جائحة كورونا؟


في عالم اليوم حيث يلوح عدم اليقين في الأفق، يتشارك الشباب في جميع أنحاء العالم تَبِعات سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ويغرقون في نفس التحديات بشكل عام. فالملايين من الشباب على استعداد للانضمام إلى القوى العاملة والبحث عن وظائف وفُرَص عَمَل. ولكنّهم في ظل الوضع الحالي ، لن يجدوا الكثير من الفُرَص المُتاحة أمامهم. وحتى لو فعلوا ذلك، فإنّ الفُرَص التي تتاح لهم هي الفُرَص ذات الدخل المُتدنّي وقطاعات الاقتصاد غير الرسميّ والذي لا يخضع للرقابة والضمان الاجتماعيّ أو التأمين الصحّي. وهذا كلّه يقودنا إلى التساؤل: ما قيمة التعليم الرسميّ والمؤسّسي في وقت الأزمات؟


التعليم هو أكثر من مجرد التعلم في القاعات المدرسية


لقد بات من الواضح للشباب اليوم، أنّ أساليب التعلّم التقليدية والتي كانت في يوٍم من الأيام هي الشكل الأساسيّ للتعلم، لم تعد تعمل كما كانت في السابق. نحنُ اليوم بحاجة إلى تعليم جديد يُلبّي الاحتياجات المتغيّرة للشباب في كلّ مكان.وحتى مع افتقار الملايين من الشباب لفرص مُجدية للمشاركة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، فإنّ الشباب لا يزالون يبتكرون حلولاً مبتكرة لـ "التعلّم والاكتساب". إذ وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي ، "لم يعد مفهوم المعلم باعتباره صاحب المعرفة الذي ينقل الحكمة إلى تلاميذه مناسبًا لغرض التعليم في القرن الحادي والعشرين.



"المُعلِّمون الجيّدون.. يُدرّسون

المُعلّمون العظماء.. يُغيّرون


- الملكة رانيا العبدالله، ملكة المملكة الأردنية الهاشمية


وإذا ما أردنا إعداد الشباب وتمكين جيل جديد للتعامل مع اللايقين القادم والتغييرات المستمرّة في المستقبل، يجب على المعلمين التحوّل من مجرّد نقل المعلومات إلى رعاية صانعي القرار الأذكياء والمطّلعين وذوي المسؤولية والريادة والابتكار.


وباعتقادي أنّه إذا ما أردنا التعافي من أزمة التعليم التي خلقتها الجائحة COVID-19 ، فإنّنا نحتاج إلى استثمار مواردنا والتركيز على الحلول المحلّية أولًا والتي يمكننا توسيع نطاقها عالميًا لاحقًا. إذ يجب أن نركّز على الشباب الذين يلعبون دورًا رئيسيًا في عملية التعافي الأوّلي ومن ثم دعمهم لإحداث تأثير على المستويين الوطني والعالمي.

في عملنا في مبادرة "أنا أتعلّم" IlearnJo ، تمكنّا من تغيير الطريقة التقليدية للتعامل مع الشباب وخلقنا طريقًا تشاركيًا يتحمّل فيه الشباب مسؤوليتهم بأنفسهم كفاعلين مُساهمين في عملية تطوير أنفسهم وغيرهم ومجتمعاتهم نحو الأفضل. وقد مهّد شركاؤنا الطريق لآلاف الأطفال والشباب ليرَوا أنفسهم شركاءً فاعلين وليسوا مجرد متلقّين خاملين لسياسات المؤسسات من حولهم.


ومن الأمثلة الحديثة التي تُظهر مدى تأثير وشمول الشباب هو فريق CreaDeaf السوري ، الذي يعمل بمساعدة مبادرة جيل بلا حدود Generation Unlimited لضمان عدم تخلّف أي شخص عن مواكبة مساره التعليمي. وعن هذا يقول محمد عماد، مؤسّس CreaDeaf: "إنّ هدفنا المتمثل في خلق فرص عمل للشباب الصمّ في سوريا يتجاوز مجرّد إشراكهم والسعي لقبولهم في المجتمع".


وفي حقيقة الأمر، يُظهر مبادرة جيل بلا حدود كل عام للعالم قوّة الاستثمار والاستماع إلى الشباب في جميع أنحاء العالم من خلال تحدي الشباب، وهذا يجعلنا نطمح إلى تحويل تحدّيات اليوم إلى فُرَص والعمل جنبًا إلى جنب مع الشباب لخلق حلول للتحديات الاجتماعية.


إن تمكين الشباب وإتاحة المجال لإيصال أصواتهم وتأكيد قدراتهم وإشراكهم في وضع الحلول للمشاكل التي تؤثّر عليهم وعلى الآخرين/ أمر بالغ الأهمية. ويجب علينا جميعًا مساندة GenU لدعم الشباب بصفتهم صانعي تغيير ومبدعين مشاركين للحلول التي تعمل على تحسين حياتهم ومجتمعاتهم.


لقد حان الوقت الآن للنظر إلى عالَم جديد، يتمحور حول الشباب، حيث يحصل كلّ شاب على فرص لتطوير المهارات غير المعرفية والمهارات المرنة والناعمة التي ستساعدهم على المثابرة والإنجاز وتحقيق ذواتهم. ويجب أن تقود حركتنا العالمية إلى خلق جيل شبابي إيجابي قادر على الاستجابة للأزمات في ظلّ كلّ التحدّيات التي يواجهها العالَم بما يشمل تغيّر المناخ والصراعات وأزمة اللاجئين.


أنا أؤمن بشدة أنه يمكننا، معًا، خلق عالَم يزدهر فيه الشباب وتنطلق فيه ممكناتهم. عالَم لا يواجه فيه اللاجئون الشباب مشكلة في الحصول على التعليم أو الفُرَص. عالَم تقلّ فيه الفجوة بين التحصيل العلمي والتوظيف. عالَم لا يوجد فيه ذعر من السياسات عندما يتعلّق الأمر بالاستجابة لاحتياجات الشباب.وسنخوض هذا التحدّي مهما كلّف الأمر!


صدّام سيّالة· تمّت كتابة هذا المقال بمناسبة اليوم العالمي للتعليم، بواسطة صدّام سيالة، أحد مُلهمي التغيير الشبابيّ في الأردن، وأحد أعضاء مجلس القيادة العالمية لـ Generation Unlimited·


المقال الأصلي

Saddam Sayyaleh

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف تعليم

تدوينات ذات صلة