منذ أكثر من سنة، حذفتُ أكبر كذبة في حياتي.. كذبة بدأتها بعد الصف الخامس الابتدائي وأنهيتها بعد عامي المدرسي الثاني عشر..

صِرنا في نهايات العام 2023، وما زال البعضُ يكتشفُ حديثا اختفائي عن ساحات الفيسبوك منذ فبراير 2022!

أليست هذه ظاهرة تستحقُّ التفكير إلى ما وصلنا إليه؟!...


حدّثتني اليوم صديقة، كانت قد جمعتنا أيام المدرسة وبعض الهوايات المشتركة كحبّ الأدب والمطالعة..

اكتشفتْ وجودي حيّةً بعد أن نشرتُ ستوري على التيليقرام وجرّبتُ التّحديث الجديد!

قالت أنها افتقدتني وأنها لا تجد حسابي على الفيس ولا حتى أي تفاعل على صفحات الفتيات!

هي لا تعلم أصلا أن حتّى بقية فتيات المدرسة على نفس حالها (إلا قليل).

أجبتها بأني فعلا قد حذفتُ الحساب نهائيا منذ أكثر من سنة..

(قد حذفته واخترتُ كيف سأعيش بدونه ومع من)

فسألت إن كان عندي حساب آخر؟!

(وهو السؤال الذي يتكرر في كل مرة، سواءً أكان شخص يعرف أنني كنت أملك حساب فيسبوك، أو شخص جديد تعرّفت عليه ويريد إضافتي).

أخبرتها أنني أملك حسابا قديما كنتُ قد أنشأته في أيام الثانوية العامة لغرض الصفحات والقروبات الدراسية فقط.. واستمرّ معي للآن في الجامعة لنفس الغرض.

ولا أستعمله إلا للدراسة وأشياءٍ محدودة.

حقيقة، أشكر لها تفهّمها.. فهي لم تسأل أكثر واكتفت بذلك، ولكي أكون صادقة فحتى الآن جميع من أخبرتهم تفهّموا الموقف.

لكنّي أتساءل:

لمَ يجب أن يكون تواصلنا على الفيسبوك أو أي موقع آخر حتى نعرف الآخر أهو حيّ أم ميّت؟!

وإذا لم نستطع التواصل معه بِعنا القضية؟

هل صرنا انعزاليين إلى هذا الحدّ؟!...


منذ أكثر من سنة، حذفت أكبر كذبة في حياتي..

كذبة بدأتها بعد الصف الخامس الابتدائي وأنهيتها بعد عامي المدرسي الثاني عشر..

هل تدركُ كم كنت مغيّبة طوال هذه السّنين؟!

لقد وصلتُ إلى مرحلة تشبّعتُ فيها من هراء مواقع التواصل..

وعرفتُ أن الله لم يخلقني ولم يسخّر لي مواقع التواصل لأعيش فيها..

بل خلقني من الأرض وسخّرها لي، فمنها بدأتُ وإليها سأنتهي.

فيا لغفلتنا،

حينما نرسل رسالة الكترونية فنظنّ أننا اجتماعيين..

أو عندما نحتفل بميلاد أحبابنا مثلا ونعبّر لهم عن مشاعرنا على الفيس ونكتفي بهذا القدر ظنا منا أننا قمنا بالواجب! وعندما نراهم وجها لوجه وكأننا فقدنا النطق..

نعم أنا مع وسائل التواصل في حالة كان اللقاء صعبا..

وأنا أعيبُ جدا على من كان له أقارب أو أصدقاء مقربين، ولا طريقة له ليتواصل معهم إلا عن طريق هذه المواقع، ومع هذا يظلُّ مقصرا غير مبالي!

خاصة خاصة إن كانوا من عائلته!!


ولكن إن كان الأمر غير ذلك..

فلمَ نترك هذه المواقع تأكل من أعمارنا؟ ومن حساب علاقاتنا الحقيقية؟!

بعضهم يجفو على أهله أشدّ الجفاء، ثم هو على مواقع التواصل نبع للحنان والعطف والحنية!

فهل يُعقل هذا؟؟! في أي شرع من شرائع ديننا جئنا بهذا؟!

عجبًا والله!


أخيرا صديقي، فمن لا يعرفُ أخبارك إلا عن طريق مواقع التواصل، فإذا انقطعتَ انقطع، وإذا وصلتَ وصل..

فاعذرني.. هذا لا يجبُ أن يكون من دائرتك المقرّبة.

نعم ضع له سبعين عذرا وتفهّمه.

لكنّه لا يجبُ أن يكون منها.

وصديقي اعذرني مرّة أخرى قد أثقلت عليك،

لديكَ أهل وأصدقاء مقرّبين تُحبّهم ويحبّونك.

هُم على الأرض لا على "الشبكة"..

فتفقّدهم و"شاركهم" وعش معهم الحياة "على الأرض.."

لا على الشبكة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مميز شكراً لك

إقرأ المزيد من تدوينات هِبةُ الحُريّة 🕊

تدوينات ذات صلة