يومٌ أعلنتُ فيه أخيرا العودة إلى ذاتي.. ولكن هذه المرّة بنضجٍ أكبر ومفاهيم أكبر.
ها قد مضى في سلام.. يومٌ "ليس" كباقي الأيام!
بل أجمل! وأقربُ لذاتي وما أحبّ..
فلله الحمد والمنّة على هذه النعمة.
إنّهُ الخامس من أكتوبر..
استيقظت صباحا، صعدت على مكتبي لأرى من النافذة إن كان مركز التحفيظ مفتوحا أم لا.
وهذه نعمة مهما حمدتُ الله عليها لن أوفيه حقّه عليّ سبحانه.. بأن جعل مركز التحفيظ على بعد خطوتين من باب بيتنا!
ما يزال مركز التحفيظ مغلقا بسبب عمليات التجديد والتأثيث.
وهو ما بدأ يزعجني خاصّة وأنني لم أذهب لمركز التحفيظ منذ ما يقارب الشهر، وذلك بسبب دراستي والامتحانات الجامعية.
لكنّها انتهت، ومرّت تلك الفترة بفضل الله، وها أنا أحاول جاهدة استغلال هذه الإجازة.
بعد أن فشل مخطّط مركز التحفيظ، ذهبت أتناول طعام فطوري.
كأسا من شاي النعناع مع خبزة زعتر لبناني لم أذق في حياتي جمالا مثله، خاصة مع حبّي الشديد للزعتر!
*معلومة عالهامش: (أعشق لبنان وأهل لبنان ولهجة لبنان ومريمية لبنان وكل ما هو من لبنان).
وتصفّحتُ هاتفي النقال وبريدي الالكتروني فوجدتُ شهادة إنهائي لدورةٍ على منصة دار البر، وغمرني ذلك بسعادةٍ عارمة.. خاصة أنني انقطعتُ عن دار البر منذ بدايات العام ألفان وواحد وعشرين ولكن بفضل الله عدتُ من جديد.

ثمّ خرجتُ لحديقة المنزل، لأشمّ هواءً نقيّا وأستمتع بالطقس.. فقد كان هادئا وساحرا جدا.
فوجدتني بلا مقدمات قد تحوّلت للصبيّ حسن، وبدأت أعمال الترتيب والتنظيف للحديقة كاملة، وتنظيف أحواض الزراعة وغمر اليدين بالتراب كالأطفال🌸🌸
كان شعورا رائعا جدا ويبعث في النفس الراحة والطمأنينة..
وبالطبع فإن ملمس يداي صار أخشن من ملمس يد أخي نفسه..
ولذلك استعنت بعد إنهاء المهمة بزيت الأطفال جونسون😂
ثم صلّيت الظهر بعد أن كنت قد عزمت أن أقوم بدقّ الزيتون ووضعه في الماء..
وهو الشيء الذي اكتشفته شغفا بالنسبة لي.. تحديدا خلال السنة الماضية.
وقد كتبتُ تدوينة عن ذلك بعنوان: "مسرحيّة الزيتون" أجسّد فيها نظرتي الخاصة عن الزيتون عندما يتم كبسه ودقّه.
أنهيتُ المهمة! وصارات يداي أخشن من أول مرة، وقد غطّت الشقوق والأظافر عصارة الزيتون وصار شكلهما مرعب أكثر حتى بعد غسلهما!
وكانت هذه المرة الثانية التي أستعين فيها بزيت الأطفال😂
ثم قمت ببعض الترتيبات في المنزل، وجلستُ أتصفّح هاتفي النقال.. أُتابع أخبار فلسطين والذي يجري عندهم.
كان اليوم هو أول أيام عيد الغفران عند اليهود.. وفي هذا اليوم تمت محاصرة المجاهد المطارد من مدينة نابلس سلمان عمران، واعتقلته قوات الاحتلال بعد أن شرعت بهدم المنزل الذي يختبئ فيه وبعد أن نفذت ذخيرته!
لاأقولُ إلا: في حِمى الرحمن يا بطل، شرّفت وطنك.. وأخزى الله معتقليك ومن ساعدوهم.
أتعلم شيئا أيها القارئ!
صرتُ لا أرى تلك العقبات التي كانت تواجهني في رحلتي.. أقصد تلك العقبات التي كان مصدرها نابعا من نفسي!
لم أعد أرى ما كنت أراه هموما يستحق احتراقي!
عندما تعتنق قضية أكبر وأشمل
تشعر أنك طفل مدلّل لم يذق شيئا من عذاب الكبار وشقائهم.
تستخفُّ بهمومك.. ولا تعد تراها شيئا بعد مقارنتها بقضيتك الأكبر!
حقا عجبا لهذا! كيف لقضية أن تحتضنك فتنزع عنك همومك، لتشاركها همومها بكل شغف وحبّ!
لم أعد أرى شيئا يزعجني سوى كل ما يتعلّق بالمساس بهذه القضية التي اعتنقتها وأرفضُ أن أنحاز لغيرها.
وأعتقدُ أن هذا كافيًا جدا..
فإن اعتناق قضية لترسيخها أكثر وإحيائها وإعادتها من جديد هو في حدذاته وجع.
وكل وجع بعد ذلك يسير.
أيضا.. بعد حملة التنظيم والترتيب التي قمت بها صباحا في حديقة المنزل..
اكتشفتُ أنني _أخيرا_ تصالحتُ مع فصل الخريف.. ولم يعد يذكّرني بسنين كآبتي.
كان خريف العام ألفان وتسعة عشر الخريف الأول الذي علّمني الكآبة.. والذي من بعده..
صار كلّ خريف هو بمثابة خريفٍ لروحي وطاقتي.
اليوم أقولها بشكر كبير لله أعجزُ عن وصفه..
الحمدلله الذي أخرجني مما كنت فيه، والحمدلله الذي أعاد فيّ ما سلبته منّي الأيام.

لم تعد تزعجني الأوراق المتساقطة والذابلة..
لأني صرتُ أراها إشعارا لبدايةٍ جديدة.
أنهيتُ في هذا اليوم كتاب المسجد الأقصى وحقيقة الهيكل لعبد بن محمد بركو..
وكنتُ حاضرةً في غرفة صوتية على تليقرام لمناقشة الكتاب مع الباحث المقدسي في دراسات بيت المقدس الدكتور أنس زاهر المصري..
كنتُ سعيدةً جدا.. وما زلتُ.
أن يصطفيكَ الله من بين ملايين البشر مع فئة قليلةٍ منهم..
وأن يختارك لتحبّ قضية شريفة وتعملُ وتتعلم لأجلها.. إنها لنعمةٌ عظيمة..
فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. اللهم اجعلهُ عملا خالصا لوجهك الكريم يا الله.
أنهينا الغرفة الصوتية، وحدّثتُ عائلتي بما دار فيها، وعن أهم المعلومات ونحن مجتمعين على مائدة العشاء..
وأثناء تحضيري لطعام العشاء سمعتُ محاضرةً عن أخلاق حملة القرآن..
التزمتُ هذا اليوم بورد القرآن. فاللهم أدمها نعمة يارب واجعلها لي عادة دائمة.
وشاركتُ على حالات الواتس آب بعضا من الاقتباسات التي أعجبتني من كتاب المسجد الأقصى وحقيقة الهيكل.
اه صحيح..نسيتُ إخباركم عن سبب نشاطي وحماسي هذا اليوم، وأنه فور استيقاظي ذهبتُ أقصّ على ماما حكايا نساء وطني الفدائيات.. بالتحديد قصّة هنادي جرادات ودارين أبو عيشة.
هاتين مثالين خالدين لاستشهاديّات فلسطينيات قُمن بعمليات استشهادية وفجّرن أنفسهن بالحزامِ الناسف عند اليهود.
كنتُ قد قرأت عنهنّ قبل نومي وتأثّرتُ بهنّ كثيرا..
وتمنّيتُ..
آه والله تمنّيتُ مكانتهنّ!

أصلُ هنا إلى نهاية يومي.. الذي أحببتُ توثيقه وليست من عادتي كتابة يومياتي هنا.
وذلك لأن هذا اليوم الأول من بعد أكثر من سنةٍ تقريبا الذي أشعرُ فيه أنني فعلا أنا هبة..
أنني عدتُ أخيرا إلى ذاتي.. ولكن هذه المرّة بنضجٍ أكبر ومفاهيم أكبر.
التعليقات
انصحك بموقع Quora فهنالك ستجدين اشخاصاً يشبهونك كثيراً