في المرة الماضية حدثتك عن عالم الكبار بشكل عام.. لكن اليوم أحدثك عن تجربة شخصية لأحد قاطنيه.. عني أنا!

كما رأيت من عنوان المقال.. الساعة الآن بتوقيت قلمي الواحدة بعد منتصف الليل..

على وقع رنات بيانو مقطوعة "Goodnight Moon" -لبراين تشارلي- أكتب.. أكتب على واحدة من الصفحات الخاوية النادرة بدفتري الذي أحب.. لكن هذه المرة ليست بقلم الحبر السائل.. ولا بقلم أزرق تقليدي.. بل بقلم رصاص اشتقت للكتابة به كثيرا، لا أعرف حتى منذ متى انقطعت عن الكتابة به، لكن منذ كنت في الصف الرابع الابتدائي ومنذ سمح لنا بالكتابة القلم الأزرق ذو الحبر الجاف وأنا لم أبرحه.. كنت أرى فيه جاذبية ساحرة كسائر الأشياء المحسوبة على عالم الكبار..


عالم الكبار.. ذلك الذي كنت أظن نفسي أحد قاطنيه.. لابد أنك تذكر المقال الذي حدثتك فيه عنه.. قد كان مقالا طويلا تخطى حد الصفحتين فغمر نورهما الأبيض بحبره الأسود اللامع.. لم آت اليوم لأحدثك عنه رغم حبي لذلك المقال.. لكن موضوعنا اليوم هو قلمي الرصاص.. ودميتي التي مازلت أجلسها إلى جواري وهي بكامل حلتها.. مازلت أذكر اليوم الذي إبتاعها فيه أبي.. وأذكر سبب كل تغير طفيف في هيئتها.. إن رأيتها لما صدقت أن أكثر من عقد من السنون مر على يوم شراءها.. مازلت محتفظة ببهاءها وسحرها.. مازال قلبي يخفق كل مرة عند لمسها كما خفق فرحا عندما زارتها أناملي أول مرة..


شعور لا يوصف.. شعور يذكرك بأنك على قيد الحياة.. تفاصيل دقيقة هي ما نحيا ويكون بنيان جسد كامل تراه فتدرك أن صاحبه من قاطني عالم الكبار الذي يحلم كل صغير بالوصول إليه في يوم من الأيام..


لكن ذلك يحدث لي فقط مع الأشياء التي تذكرني أن أكون "أنا" .. أن أتصرف كما خلقني الله بلا تكلف أو تفكير في كيفية ظهوري في أعين الغير.. كثيرا ما تنسيني الأيام من أكون وأغرق في تفاصيل يريد الغير أن يرونني بها.. تنسيني الأيام أن أحادث نفسي فأسألها هل أريد أنا ذلك حقا! كنت أنسى أن أحادثها حتى جافتني.. فما عادت تحادثني.. كنت أضجر من ثرثتها هي وقلمي.. فصمتا.. حتى كسرت نسمة جبال سكون قلمي الصموت فعادت الكلمات تجري مع جريان حبره على الورق..


لذا فأملي في رجوع نفسي للحديث معي رغم كونه غير كبير إلا أنه موجود.. أعرف أنه يحتاج إلى مجهود.. لمواجهة النظرات الفاحصة التي سألاقيها حتما وستدور من حولي وأنا أحاول مراضاة ذلك الطفل الساكن بداخلي.. الذي يسعد بالدمية ويرتاح في الكتابة بالقلم الرصاص ويهوى صوت "رشا رزق" في مقدمات الحكايات التي يتابع.. الذي يحتاج لكسر قوانين عالم الكبار بشرائه لقطعة حلوى.. ذلك الطفل مفتاح نفسي وبابها.. لا أريد اخماده ولا أريد له أن يشيخ.. فهو الذي يحفظ لي وجودي كما أنا .. يحافظ على هيئتي وحقيقتي التي أعرفها.. إن غاب سأصبح نسخة مني لا أعرفها.. نسخة يريد الغير أن يراها مثالية في دنيا ناقصة لن تكتمل.. يريدون نسخة مزيفة في قالب هم من صنعه ولا يستطيعون التمرد عليه رغم ضجرهم منه.. الطفل الساكن بداخلنا هو الحقيقة بين الكثير من الزيف في عالم أسميناه مجازا "عالم الكبار"


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع ما كتبت يا داليا .. احتفظي بالطفل الذي بداخلك فهو الجزء الذي يحافظ على أحلامنا وأمالنا مهما حاول الواقع كسر تلك الأحلام .. 🤩🤩

إقرأ المزيد من تدوينات داليا أحمد

تدوينات ذات صلة