من أكثر الأمور عدلا على هذه الأرض هو وجود الاستثناء لأي قاعدة
القاعدة والاستثناء
مذ انطلق الإنسان في بناء حضاراته وهو يسعى إلى تنظيم حياته بشتى الطرق، فبعد كل مرحلة من الاكتشافات، يسعى إلى وضع القواعد التي تسهل عليه التعامل مع العلوم والمعارف المكتسبة، فمثلًا؛ في مجال الصحة، هناك أدوية تعمل بنسبة 95% في تسكين الألم بينما هنالك 5% من الناس لا يؤثر بهم استخدام المسكن لأسباب عديدة، وهنا يظهر مفهوم الاستثناء، وهو يشكل المجموعة التي لا تنطبق عليهم القاعدة.
لتناول مثالا آخر، فمثلا هنالك علوم تشرح شخصية الإنسان وسلوكه ومسار حياته تبعا للفلك وتاريخ الميلاد وغيرها، ستلاحظ بأنها قد تتفق بنسبة ما مع الإنسان، ولكن هنالك استثناءات أيضًا، وقد يلاحظ ذلك الأشخاص المتقدمين بالسن، حيث أنهم سيؤكدون شيئا منها ويعترضون على آخر بناء على تجربتهم الواسعة، بينما قد يرسم قليلوا الخبرة حياتهم تبعا لهذه الخرائط التي تحوي الاستثناءات أيضا.
ربما أنه من أكثر الأمور عدلا على هذه الأرض هو وجود الاستثناء لأي قاعدة، فلن نجد نسبة توازي المئة بالمئة في أي بحث علمي، فهذه النسبة لها تبعات تتعلق بالقوانين والقرارات المترتبة عليها والتي سيكون لها هيمنة وسلطة كبيرة، ولذا نزعت هذه القداسة بوجود استثناءات تشذ عن أي قاعدة وفي ذلك رسالة قوية، وهي أننا أكبر وأوسع من أن تحكمنا أي قاعدة في أي مجال لوقت دائم، فلا نلبث الاستقرار في أمر ما، حتى تتوالى الاستثناءات التي قد تدفعنا حتى إلى التخلي عن القاعدة التي تبنيناها، وكلما زاد حجم تبنينا وإيماننا بقاعدة ما حد التقديس حتى هاجمتنا الأسباب من كل صوب وجانب لتدفعنا للتخلي عنها، جميع ما سبق يدفع الإنسان دوما نحو البحث والاكتشاف وعدم التوقف أمام أي قاعدة أو ما يطلق عليه قاعدة.
إن الدارس لتاريخ هذه الأرض، سيرى أن ما تبقى من قواعد وقوانين الأمم السابقة هي القيم الإنسانية والأخلاقية التي تحكمها المحبة، وسنجدها راسخة في نفوس البشر الفطريين وسنلحظ ذلك بنسبة أكبر عند الأطفال الذين لم تتم برمجتهم بعد، فمحركهم هو الفطرة داخلهم دون معرفة عقولهم بالقانون المنظم.
آية جبر
التعليقات