"كلُّ موقف من مواقف الحياة يتطلب تعاملا خاصاً، والفطنةُ أن تتعامل مع كلّ موقف منفردًا بما يناسبه"



كنت جالسةً في أحد الأيام مع مجموعةٍ من الأشخاص المُقرّبين؛ فحصل موقفًا مُضحكًا أدى إلى نوبةِ ضحك هستيريّة جرْاء هذا الموقف،كنتُ في موجةِ ضحك مستمرة أسمعُ جملًا مبعثرةً تخرجُ متقطعة من أفواه الضاحكين:"متت من الضحك""إنقطع نفسي" "قلبي رح يوقف"، وكنتُ في موقفّ مثل هذا أسمعها دائمًا، ولكن لم أكُ أعلم ما وراء هذه الجمَل، هل هي حقيقة؟ أم هي نوعٌ من أنواع لغو اللسان؟

وبعد أن انتهينا من هذه النوبة فكرتُ في هذه الجمل هل هي حقيقة فعلًا.... !


تمهَّل..! مطب هستيرِيّ36377417271621050



ومن أعجب ما مررتُ به منذ بداية البحث عن حقيقة الضحك وماهيَتهُ مررتُ بمعلومةٍ عن قبيلةٍ تدعى (فور) في (بابوا غينيا) سكانها مهددون بالانقراض حيثُ يموتُ عددًا كبيرًا من سُكّانها سنويًا لم يعتادوا على البكاءِ والنواحِ فوق موتاهم، ولا يقيمونَ لهم مراسمَ الدفن؛ فلديهم تقاليدَ سببتْ لهم الميتةَ العجيبة؛ فهم إن دخلَ أحدهُم في موجةٍ من الضحك لا يتوقفُ إلا حينَ يموت، ولا يمكنهُ أن يسيطرَ على نفسه ويتوقفَ عن الضحك، وسببُ ذلك كله يعودُ لأكلهم جزًا من أجساد موتاهم، وهو النخاع الشوكي؛ففي حال ماتَ أحدُ أحبابِهم قاموا بطبخ نخاع الميّت بماءٍ ساخن ووضعوا عليه الخضار والتوابل، وبعد نضج النخاع يأكلوه، وهذا يسببُ لهم مرضًا جرثوميًا قاتلًا في أدمغتهم، وهو المسببُ لذلك الضحك العجيب.

تمهَّل..! مطب هستيرِيّ91293522557422270



وهذا الأمرُ الغريب دفعني أكثر وأكثر إلى التقصّي والتحري في ماهية الضحك، وما علاقته بالموت!

هو صوتٌ ليسَ لهُ أيّةَ لغةٍ، وهو تعبيرٌ عن التفاهم والتعاطف المتبادلِ بين البشر كلهِم؛ لكونهِ إحدى وسائلِ التواصل البشريّ على مدى التاريخ، ولكونه ردةُ فعلٍ طبيعيّة للإنسان السليم، وقد يكون وسيلةَ دفاعٍ ضد مواقفِ الخوف العفوية، وإذا ذهبنا إلى منظورِ الفلاسفةِ القدامى؛ فلهم مفهومٌ آخرٌ للضحك؛ فهذا أرسطوطاليس مثلًا يعتبرهُ منشطًا للروحِ، وملطفًا لحالتها المزاجية؛ لذلك حرَّمَ على المعوقينَ جسديًا أو عقليًا هذا النشاط. والغرابةُ في ذلك بأن صوتًا ليس لهُ أيّة لغة يحظى باهتمامٍ كبيرٍ للباحثين والدارسين؛ فقد أجريَتْ أبحاثًا كثيرة ومختلفة عن الضحك خلصُت نهايتها إلى فوائدٍ صحيةٍ تعودُ إلى الصحة العامة الجسم؛ فأنت عندما تضحكُ تكونُ قد استطعت أن تحركَ 17 عضلةً في مختلف الجسم بأكمله، وتزدادُ سرعةَ النَفَس لديك، ويتضاءَل تأثيرُ الألم أيضًا غير أنه يمنع انتقال الأمراض المُعديَة ويساعدُ على تخفيفِ مستوى هرموناتِ التوترِ بعد قضاءِ جلسةٍ تغمرُها الضحكات.

أمّا إذا كنتَ بدينًا وتبحث ُعن حميةٍ صحيّةٍ؛ فتستطيعَ من خلالِ الضحك تخفيفِ وزنك؛ إليك هذه الحمية:《الضحك في كل يوم لمدة 15 دقيقة》عليك أيضًا أن تنتبهَ للآثارِ الجانبية بأنْ تخبرَ من حولِك بأنكَ تتبعُ حميةً وتأخذُ علاجًا للوزنِ الزائدِ كي لا تُتّهمَ بالجنون، ولا تكترثَ لهذا الأمر كثيرًا؛ فقد ينتقلُ إليهم الضحك بالعدوى؛ لأنه ثبتَ علميًا أنّ الضحكَ ربما يكونُ مُعديًا؛ فتساعدهم بذلكَ أيضًا إلى إفرازِ مادةٍ اسمها (الأندروفين) الذي يُحدِثُ تغييراتٍ إيجابيةٍ في عقلِ الأشخاص.

وعلاقةُ الضحك بالعلاج النفسانيّ نجدهُ وإحدى وسائل العلاج، حيث يقومُ الطبيبُ بإعدادِ ملفٍ تحت عنوان: محفزات الضحك لمريضه وذلك من خلال جمعهِ لمعلوماتٍ كثيرة من أشخاصٍ مقربين للمريض يخبرونه عن مواقفَ حدثتْ له في طفولتهِ تحفزهُ على الضحك أو نكات مُعيّنة يُفضلها.وبعد أن توقفتُ على قول (سامويلز) حيث قال:

"الحماس الزائد لأخبار مفرحة أو الحزن الزائد بسبب أخبار سيئة كلاهما ينشطُ جزءًا معين من المخ مسؤولٌ عن استجابة الكرّ والفرّ، ويقومُ بإفراز مادةِ الأدرينالين بكمية كبيرة وكافية لتوقفِ القلب أو تؤدي لسكتةٍ دماغية، ومع ندرةِ هذه الحالات إلا أنها تحدث في العالم"


إنّ الأخبارَ السيئة تكون خطِرَة على متلقيها؛ فكذلك الأخبار السعيدة والسارة، ومما أُثبِتَ ذلك ما ذكرهُ التاريخ عن شخصياتٍ مهمةٍ فارقوا الحياةَ بسببِ الضحك الهستيري والذي توقفت عليه الفيلسوف المشهور (خريسبوس) الذي عُرِفَ واشتُهرَ بنبوغهِ في المنطقِ والفيزياء ونظرياتِ المعرفة؛ ففي القرن الثالث قبل الميلاد قام الفيلسوف (خريسبوس) بمقلبٍ لحمارهِ وسقاهُ خمرًا حتى ثملَ هذا الحمار، وظلّ يضحكُ على المقلب بشكل هستيرِيّ حتى ماتْ، وأدّى ضحكهُ الهستيري إلى ضيقٍ في التنفُّسِ واختناقه، وبالتالي أصيبَ بسكتةٍ دماغيةٍ عقبَ الضحكِ الذي أودى بحياته.


والرسام اليونانِيّ (زيوكس) عاشَ قبل الميلاد ب 500 عام فقد طلبتْ منهُ امرأةً عجوزًا أن يرسمَها، ويبدو أن النتيجةَ كانت مضحكةً إلى درجةٍ فقدَ الرسّام سيطرتهُ على نفسه من شدة الضحك فمات.!


تمهَّل..! مطب هستيرِيّ37160952965953630



فهذا السلوكُ وإن كان يخلّصنا من الاكتئاب والحزن والأمراض النفسية، وينقص هرمون التوترِ، وينظم ضغط الدمِّ؛ إلا أنه علينا أن نحذر من أن يصِلَ إلى وضعهِ الهستيري فيصعقنا ويذهب بنا حيث السماء ...!

والآن أستطيع أن أقول:يا لحقيقة وواقعيّة هذه الجُمَل القصيرة التي سمعتها في نوبة ضحك عابرة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

محمد نور الظريف يسعدني رأيك بكل ما أكتبه كلُّ الإحترام 💙

إقرأ المزيد من تدوينات آلاء الظريف

تدوينات ذات صلة