عَن الأصلِ والأصُولِيَّة وتَأصُّلِها فِي مَراتِعٍ تَجمعُها نُواةٌ ذَوات قُوّةٍ وثَبَات؛


تَستفِيقُ الحَسنَاء غَضباً عَلى حَالِها بَعد أنْ سَادَها الغُموض مِن فِعلةِ الأنصَاب، إنَّها الأرض وبِسبَب بَعضِ مَن تحمِل علَيها، بِكُلّ تأكيدٍ هم ليسُوا مِمَّن يَنتظِر إكتِمَال النِصَاب، بَل هُم مَن الشِقّ الآخَر ومَن تَسبَّب بِذاك العِتَاب، أتَسائلُ عَن الأسبَابِ ولِمَاذا الغَضبِ والغُموض؟ وهَل هُناكَ فِعلاً وجنَاتٌ عَلى كِلا الجَانِبيْن! مَا أقصدهُ هوَ جانِبَيّ وجه الحسنَاء، الأرض، وتُجِيبُ مُخيّلتِي بِالتّصحِيح مَع الإيمَان واليَقِين عَلى ذلِك، وجنَة على الشِقّ الأيمَنِ أيّ الشّرقِيّ مِنها، يَعني ذلِك أيَن نَعيشُ نَحن وللربّ الحَمدُ والمِنَّة، ليلاً نهاراً، وأمَّا الوجنَة الأخرَى فهِي فِي الشِقّ الغَربيّ مِن ذَاك الجَانِب الجَذَّاب، حيثُ الكثير مِن الأروَاح المَنكُوبَة والقليل مِن الأفعَال المَنصُوبَة.


هُنا تَقِفُ الحَسناء فِي حِيرةٍ مِن أمرِها، مُتسائِلةً عمَّن يَصنَع الفَرق ويَتجرَّأ عَلى تغيير العِرْق؟ أهُم مَن تَسبَّب بِالخللِ أمْ أنَّه ذاتِيّ بِنفسِه ولِنفسِه؟ تُرِدّد هِيَ بِصمتٍ ثُمّ تَختار البَوح عَلناً قائلة: مَهما كانَت تِلك المَساعِي إلاَّ أنَّها كالأفَاعي، عَلى نَفسِها وبِنفسِها وبَعيداً عَن البَشر، أنَا عزِيزةٌ بِالدّفاعِ عَن الغَرِيزَة، نعَم، هَذا صحِيح، ولكِن مَاذا عَنكم يَا مَن تَقطُنون وجنَاتِي؟


نَحنُ الشّرقِيون فِي البِدايَة وكالعَادة، نُردّد؛ لنْ تَتوقَّف الحَسنَاء عَن الإكتِسَاء، كالعَروس، مُتأنّقة ومُتألِّقة، تَنتظِر قُدوم جَاهةٍ ذو وجَاهة لِيَنقلُها إلى حيَاةٍ تَملئُها عِبَادة وسَعادة، جذّابٌ ذَاك الإحمرَار عَلى الوجنَات، إنّها خَجُولَة، والدَليلُ القَاطِع عَلى ذلِك فِي تورّد تِلك الوجنَة بِعكس شِقّهَا الآخر والذِي تَأثّر بَعض الشّيء، بَل بِالشّيء كلِّه، كيفَ تكشَّفت وتَقشَّعت؟ أيُحتَسبُ ذلِك لدغَةً بَعد ذاكَ الإعوِجَاجٌ؟ كيفَ بِالشّيء نَفسه أنْ يَنقسِمَ عَلى نفسِهِ دونَ فِعل البَشر، فَالحسنَاء، أيْ الأرض؛ سلِيمَة المُعتقَدِ والعَقِيدة، أمَّا نَحن فَلا أعلَم مَن مِنَّا يَحمِل ذاتَ السِّمَات؛ ومن يَحمِل عَقليَّة المَمَات؟


يَا جميلتي، هُنَاك الكثِير مِن الدَلائِل عَلى أنَّنَا نَحنُ العَرب أهلُ الهِمَم ومَن يَسعَى لِلقمَم، مَن يَقِفُ مُجدّداً ويَنمُو مِن العَدم، لَا نَلتفِت للخَلف كَالكثِير مِن الغَير، هَدفُنا أمَامُنا ولَا يَهمُّنا تَصنِيف الغَير، نَحنُ العَالم الأوَّل والأخِير، آلِهتُنا إلهُنا، هُو الواحِد الأحَد ولَا إله إلاّ هُو، أنبِيائُنا بِالسَّلام والسَّلام مِنهم ولَهم وعَليهِم، أديَانُنُا تَجمعُنا ولَا نُفرّق بَين أحدٍ بيننَا إلاَّ بِالتَقوى، ثَقافَتُنا تُعَلَّم ومِن عُلمائِنا تُسَلَّم، عَاداتُنَا وتَقالِيدُنا تُسطِّرُها أسَاطِير، مِن البَدوية تَاج الرؤوس وحتَّى المَدنيّة دونَ طرقِ الكؤوس، نَحنُ التَّفاصِيل وهِي الأسَاس وخطُّ التَّماس، نَحنُ الشِّق الشَّرقِي والوجنَة التِي تَزداد تَورداً مِن الخَجل، لا فَرق لدينَا ولا نَتعامَل بِالمثل، بَل؛ نُظهِر مَعادِنُنَا ومَا بِداخِلُنا بِكل فَخرٍ وإعتِزَاز، لَا ضَغِينة ولَا نِفاق، والتَّاريخ يَشهدُ لنَا بِذلك الوِفَاق، فَنحنُ أهلُ الضّيافَة والمَضافَة، أهلُ النُخوَة والنُخبَة.


نَحنُ العَرب، شَرقيُّون، نَمِيلُ بِالكيلِ عَن الكَثِيرون، شَاء مَن شَاء وأبَى مَن أبَى، ليسَ غُروراً وليسَت أسراراً، هِي الإبرَاهِيميَّات العَظِيمَة لدَينا، لأنَّنا مَهدٌ للدِيانَات وحُضنٌ للرسَالات، ألَمُنا يُشفِيه تَاريخ، وأمَلنا عَلى الدّرب رسِيخ، كَرمٌ ثمَّ كَرمٌ ثمَّ الكَرم، ثَقافَة وحَضَارة، أدبٌ وذَوق، نَعِيشُ السّلمَ والسَّلام، نَعشَق السَّكِينَة والسُّكوت أحيَاناً، وأمَّا الأخرَى فالضّوضَاء تُمتِعنَا ولاَ تَمنَعُنا، غَايَتُنا إرضَاء الخَالِق ثمَّ المَخلُوق، ومَاذا عَنهُم هُم؟ أنَسُوا أنَّهم الشِّق الغَربيّ؟ أمْ إعتَقدُوا وإعتَنقُوا غيرَ ذلِك؟ أمَا زَال هُم مَن أزَال الجَمال عَن المَليحة الحسنَاء؟ ألاَ يَشعُرون بِالغِيرة؟ مِن مَاذا؟ مِن كُلّ مَا لدينَا؟ مِن ذَكرٍ وأنثَى، مِنَ المِيثَاق العَظِيم والقَلب السّلِيم.


نَعم؛ نَفتخِر بِأصُولِنَا، بِالصّحراء، بِالإبل والغَنم، بِالقَهوة والمِهبَاج، ولاَ نَنْسَى تَذكِيرَكُم بأنَّ رِدائَنا مِن الثّوب والبُرقع مُنذ المِعراج، هُم أنتُم مَن تَركتُم فِي مُخيّلةِ أبنَائِكم وأجيَالكُم، أنَّ صَحرائَنا قَاحِلة، لرُبَّما صَدقتُم فِي الجُزءِ البَسيطِ مِن ذلِك، وخَانتكُم ذَاكِرتُكم عَن سَرد البقيَّة، نُؤيّد تَلقِينَكم بِأنَّ صَحرائنَا قَاحِلة، ولكِن مِن مَاذا؟ مِن تِلك الأفكَار المُلوَّنة، هَيهات هيهَات وبِكلّ المُسمّيَات، تَعلمون جيداً مَاهيّة الخُطوط الحَمراء لدَيْنا، والفَشل كُل الفشلِ هُوَ مُجرّد النَتِيجة مَهمَا كَان الهُجوم عَلينَا، بِالنِسبَة لنَا؛ هِي ليسَت كالخُطوطِ المَنشودة، بَل نَحن نَعشقُها ونَتغنَّى بِهَا كالأنشُودة، لا يَهمُّنا ولَن كذَلِك، صحيحٌ أنَّنا نَحترِم الخُصوم وهكَذا تَعوّدنا مُنذ الأزَل، نَترصّد، نَترقّب ونَتعقَّب العَلياء، بَل لَا يَكفِينا إلّا إرضَاء السَّماء، ومِن نُجومِها نَرصُد هِلالاً ثمَّ نَصراً كالدَّواء، سجدةٌ نُقبّل فِيها قِبلَة السّاهي والسّهواء، قُبلَة القِبلَة ليسَت سِحراً ولا ضَوضَاء، نَحترِم الشَقراء والسمرَاء، نَعملُ، نَجتهِد ونَسجُد للربّ شُكراً بِالسرَّاء والضرَّاء.


عُذراً يَا أيَّتُها الحَسنَاء، عُذراً عَن هَذا الإستِشفَاء والإنتِشَاء، هوَ ليسَ إنِفصاماً بَل جَلسة صَفاء، لَا حَاجة هُنا للدّواء، نَحن الأحيَاء، ألَا لَومٌ عَليهم بِذلك؟ أليسَ هُمْ مَن تعمَّد عِنَادك؟ أم نَحنُ مَن رضِينا بِالقسمَة وإعمَار دَارِك؟ لاَ لومٌ عَلينَا إنْ كانَت غِيرتُنا للدّفَاعِ عَن أنبِيائِك، نَحنُ حُرّاس أبوابِك، نَحنُ عُشّاقك ومِن أسبَابِك، أليسَ كذلِك؟


أيَكفِيكُم ذَاك التلمِيح؟ أمْ هِي مُجرَّدة عُقولكُم عَن الإستِيعَاب والتَّصحِيح؟ أعَلِمتم الآن مَاهِيَّة الهَوى والهَويَّة، هِي أرضُنا ذَات الأديَان الثُلاثِيَّة، هِي الحَياة المَعنيَّة، تَارَّة هُنا وأخرَى هُنَاك، فَهُنا وعَلى الوجنَة الشرقيَّة، هِي مُشرقَة ليسَت مُستشرِقَة، حَنُونة مَهما قَسَت، هُنا؛ يَصطَحِب السَّلام سَلاماً، ذُكوراً وإناثاً، هُنا؛ خُوسِيه ومُوسِيه فِي ضِيافَةِ مُحمَّد، يَرتشِفُون قَهوةً عربيَّةً بإمتِيَاز، بِطعمِ الهيلِ والزعفرَان، يَرتدون ثَوباً أبيَضاً لاَ يَعنِي إلَّا الإرتِكَاز، وأمَّا آمِنة السَّمحَاء، فهِي مَن تُرسّخُ ذاكِرة العَباءةِ على رأسِ ماريّا وتَمارا، هَا هُنا؛ إجتَمع الأحبَّة عليهمِ السَّلام، مُوسَى وعِيسَى ومُحمَّد، يَسيرُ الجَمِيع فِي زقَازِيق آمِنَة، ليلاً نهاراً، يَجمَعُهم الحُب ولا تُفرّقهم الأسبَاب، هُم أجيَال السَّلام لا الإستِسلاَم.


أفَهِمتُم الآن، هِي الحَياة وليسَت كأيّ حِيلة، ألَا آن الأوَان للإعتِراف مَهما كانَت الوسِيلة، بأنَّ هَذلول العَربيّ لَا يَهذل ولا ينَام، يَسهرُ الهَذيلة، يَحرُس أهلَه ودَاره الأصِيلَة، هوَ رجلٌ قَد نَشأ مِن بَيتٍ عَربيّ وبَيئةٍ عَليلَة، هِي دَلائِلٌ نَختِم بِها دُروس كفِيلة، وهُو خَيرُ الخِتام بِالحمدُ لله عَلى أنَّنا نَعيش عَلى أرضِ الهَلِيلَة، فلتَذهبوا للجَحيم يَا أهلَ الرذِيلة.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد البطران "بطرانيات"

تدوينات ذات صلة